فترة غير قصيرة مرّت على المواجهة التي خاضها ​الجيش اللبناني​ في مواجهة ارهابيي داعش وحلفائهم من ارباب الارهاب. فمنذ ان كانت عرسال مسرحاً، اوائل شهر آب الفائت، للمواجهة المباشرة بين الجيش اللبناني وهذا "الوباء" المستشري في المنطقة، تكشّفت النوايا العلنية والمبيّتة لضرب الجيش. ومع فشل الخطة "أ" التي قضت بكسر معنويات الجيش والسيطرة على مراكزه في عرسال، انتقلت المواجهة مع اقتراب فصل الشتاء الى الخطة "ب" والتي تحمل الهدف نفسه اي ضرب الجيش، انما بمختلف الطرق والاساليب، وهو ما يمكن استنتاجه من خلال المعطيات التالية:

-بعد الصدمة التي تكونت لدى ارهابيي داعش خلال مواجهتهم للجيش الذي اظهر روحاً قتالية عالية لدى الضباط والافراد على حد سواء، لعب الارهابيون ورقة الضغط المتمثلة بالمخطوفين العسكريين. وبقيت فاعلة نظراً الى تقدير المؤسسة العسكرية لعناصرها، الا ان الوقت لم يعد لصالح هذه الورقة خصوصاً مع دخول مفاوضين من دول اخرى على الخط. وكانت فكرة ايجاد شرخ بين اهالي العسكريين الرهائن والجيش حاضرة ولكنها لم تحقق النجاح الذي اراده اصحاب الارهاب المتنقل. فقد تدخل الجيش لفتح الطريق التي قطعها الاهالي، لكن تدخله لم يتحول الى مواجهة مباشرة معهم، كما ان الجيش لم يتحوّل ايضاً الى "عدو" الاهالي، فهو يناضل معهم من اجل هدف مشترك.

-اعلن عدد من العسكريين (لا يتجاوز عددهم اصابع اليد الواحدة)، انشقاقهم عن الجيش وانضمامهم الى داعش وشقيقاته من المنظمات الارهابية. وحاول اصحاب "الرؤوس الفارغة" تضخيم الامر عبر الاعلام واظهار ان الجيش بدأ ينقسم ويتشتت بفعل هذه الانشقاقات. لكن الحقيقة سرعان ما ظهرت، وتبيّن ان العدد ضئيل جداً ويكاد لا يذكر، وان اسباب حالات هذا الانشقاق لا تختلف كثيراً عن حالات التغرير التي مورست على فتيات اوروبيات للانضمام الى داعش، او على بعض الشبان من مختلف دول العالم لترك بلدانهم والالتحاق بالارهاب.

كما كان مهماً العمل الذي قام به الجيش من خلال اعلانه عن هذه الانشقاقات، كونه مؤمن تماماً انها لن تشكل اي خطر على معنويات عسكرييه من جهة، ومنعاً لاستغلال الامر او تضخيمه من قبل داعش وابواقهم المأجورة من جهة ثانية.

-تحولت الامور الى ما يشبه "المواجهة المفتوحة" مع الجيش في كافة المناطق اللبنانية، وعادت عمليات استهداف العسكريين في الباصات وبشكل منفرد تنتشر بسرعة كبيرة. وقد سقط للجيش شهداء في مثل هذه العمليات الارهابية المتنقلة والتي غالباً ما تضرب بشكل سريع ومنظم.

اما الهدف من هذه العمليات، فهو تقويض ثقة عناصر الجيش، وجعل كل عسكري يعيش مرحلة من القلق حتى عندما يكون خارج الخدمة (في طريقه الى منزله، او خلال التحاقه بنقطة خدمته)، كلما اراد التنقل.

ومرة اخرى، فشلت اهداف داعش لان العسكريين مستمرون في ممارسة حياتهم اليومية، ولو انهم على علم تام بأن حياتهم في خطر، الا انهم لا يرغبون في ان يكونوا "اسرى" ارهاب الداعشيين او غيرهم.

-عمد الارهابيون الى استغلال المداهمات التي ينفذها الجيش في بعض مخيمات اللاجئين السوريين، والاعتقالات التي تنتج عنها، لتشويه صورة الجيش والايحاء بأنه "ظالم" ولا يختلف من ناحية "الديكتاتورية" مع النظام السوري.

ولم يؤدّ هذا السيناريو الموضوع غايته، لان المداهمات اسفرت عن اعتقالات مهمة، كما ان الجيش اطلق سراح كل من ثبت انه لم يكن معنياً بالتعرض له او التخطيط او المشاركة بأعمال جرمية او ارهابية تستهدف لبنان واللبنانيين.

-لعب الارهابيون على الوتر الطائفي والمذهبي عبر القول ان الجيش يأتمر بأوامر حزب الله وايران، لدفع العسكريين من المذهب السنّي لمغادرة مراكزهم والتخلي عن المؤسسة العسكرية، لكنهم وجدوا ان من يحاولون التأثير بهم هم اول من قرر مواجهة الارهابيين، ويمكن بنظرة سريعة التأكيد ان شهداء الجيش هم من كافة المناطق والطوائف والمذاهب.

-يراهن الارهابيون على ان الجيش لن يحصل على السلاح اللازم لمواجهتهم، ويبنون حساباتهم على ان اي مساعدة عسكرية جدية للجيش ستكون اقله بعد مرحلة الشتاء، ما يعطيهم الفترة الكافية للتحضير لهجومات يشنونها على مراكز عسكرية تكون كفيلة بتأمين ولو ممرّ صغير يحتاجون اليه.

ولكن الجيش بقي صامداً في مراكزه رغم النقص في السلاح، وأفهم هؤلاء بأن اي هجوم على مراكزه سيكلفهم غالياً.

لا شك ان الخطة "ب" اكثر شمولية وتعتمد على عناصر سياسية واستخباراتية اضافة الى العناصر العسكرية الميدانية، غير ان هذه الخطة ينقصها مكوّن واحد للنجاح، وهي ان يكون الجيش اللبناني على شاكلة جيوش المنطقة.

ولكن الجيش قد اختبر على مرّ السنوات كل انواع الهجومات، وتعلّم من اهوال وافظاع الحرب التي عاشها لبنان.

تعددت الاسباب والمستهدف واحد: الجيش اللبناني. غير ان الخطة "ب" سيكون مصيرها كمصير الخطة "أ"، وكمصير كل الخطط التي سيضعها الارهابيون، وسيبقى رأس الجيش مرفوعاً كلما ازدادت المخاطر واشتدت الصعوبات.