أواخر هذا الأسبوع يبدأ الشهر السادس من عمر الشغور الرئاسي، دون أن يلوح في الأفق السياسي، بوادر إخراج هذا الإستحقاق الدستوري الأساسي، من دوامة المراوحة الراهنة!

ويُخيّل لكثيرين وكأن اللبنانيين اعتادوا على استمرار الدولة عرجاء، وبدون رأس، وحتى أن المسيحيين يبدون في مواقف متعددة، وكأن حماستهم بردت في السعي لانتخاب رئيس جديد!

ورغم اقتراب الوضع اللبناني، الهش أساساً، من نيران الحرائق المشتعلة في المنطقة، وتزايد الخطر الإرهابي على حدوده، وبروز مخاطر لانفلاش النزوح السوري، بهذا الشكل العشوائي، وفي مختلف المناطق، دون حسيب ودون رقابة أمنية فاعلة،

رغم كل ذلك..، ما زالت الأطراف السياسية المتصارعة، على عنادها في انقساماتها، وفي إصرارها على خلافاتها الأنانية والمصلحية، فضلاً عن اعتماد أساليب المكايدة والإنتقام في تعطيل أعمال المؤسسات الدستورية، وخاصة مجلس الوزراء الذي ينحّي كل الملفات الأساسية جانباً ويكتفي بتصريف الأعمال العادية، وفي مجلس النواب الذي تعيش جلساته على حقن «تشريع الضرورة»!

* * *

هذا الواقع المأساوي مرشّح، ليس للإستمرار وحسب، بل ولمزيد من التفاقم والتدهور والتعقيد، في حال بقيت الإنتخابات الرئاسية معطّلة، وبقي هذا الإنقسام العامودي الإنتحاري، يتحكّم بالحركة السياسية، في ظل اللعب المستمر بحبال الصراعات والحساسيات المذهبية والطائفية.

هنا تبرز، مرة أخرى، أهمية المرجعيات المسيحية السياسية والروحية على السواء، في التحرك وطرح المبادرات، وتدوير الزوايا، والقيام بكل ما من شأنه المساعدة لتسهيل الوصول إلى الانتخابات الرئاسية، وإيصال الرئيس الجديد إلى قصر بعبدا، في أقصر فترة زمنية ممكنة.

مسألة انتخاب رئيس للجمهورية هي استحقاق وطني بامتياز طبعاً، ولكن التوافق بين القيادات المارونية، على مرشّح أو مرشّحين، وإعلان موقف موحّد من الإنتخابات الرئاسية، يفتح أبواب البحث الجدّي والحاسم في بورصة المرشّحين، ويُسقط حجج وأعذار أي طرف سياسي آخر، يتلطّى هنا أو هناك، لإبقاء الشغور الحالي في رئاسة الجمهورية، وتعطيل المؤسسات الدستورية الأخرى، ووضع الجميع أمام واقع مؤتمر تأسيسي جديد، ينقضّ على مقررات إتفاق الطائف، ويُطيح بالمناصفة، وصولاً إلى المثالثة، وغيرها من التعديلات الدستورية الجذرية، وكل ذلك على حساب الدور المسيحي في السلطة، وعلى حساب الحصة المسيحية في المعادلة الوطنية.

* * *

وإذا اعتبرنا أن مسؤولية المرجعيات المسيحية مضاعفة بالنسبة للإستحقاق الرئاسي، فإن العماد ميشال عون يأتي في مقدّمة الذين يتحمّلون عبء هذه المسؤولية المسيحية والوطنية والتاريخية.

كيف لا، والعماد عون يطرح نفسه الزعيم المسيحي الأول، ورئيس كتلة تضم سبعة وعشرين نائباً مسيحياً، والمُدافع الدائم عن موقع رئاسة الجمهورية، والمُطالب بإصرار بتعديل صلاحيات رئيس الجمهورية.

قد تختلف مع العماد ميشال عون، في بعض خياراته السياسية، ولكنك لا تستطيع إلا أن تعترف بحجمه السياسي والتمثيلي، وهو الأمر الذي يترتب عليه منافع وامتيازات، وبالقدر نفسه، إذا لم يكن أكثر، يتطلّب تحمّل مسؤوليات والقيام بمبادرات، واستعداد لتقديم تضحيات، عندما تدعو الضرورة الوطنية ذلك!

والعماد عون يلعب حالياً دور لاعب أساسي في الاستحقاق الرئاسي، وهو المعني الأول في إتمام انعقاد الجلسات النيابية المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية، لأن مقاطعاته السابقة حالت دون تأمين النصاب للجلسات الانتخابية، فضلاً عن استمرار ترشحه للمنصب المسيحي الأول في هرم الدولة الدستوري.

هذا الموقع المتقدّم للعماد عون في الوضع المسيحي، يجعل الأنظار الرئاسية تتركّز عليه، وتتابع كل خطوة يمشيها يميناً أو يساراً، على اعتبار أن خطواته تحدّد اتجاهات الرياح الرئاسية: إنفراجاً أم تعطيلاً.

حتى كتابة هذه السطور، ما زالت كفّة التعطيل هي الراجحة، لأن رئيس التيار الوطني لم يستطع تأمين الأكثرية النيابية اللازمة لانتخابه رئيساً، وذلك لألف سبب وسبب لا مجال للخوض فيها الأن.

السؤال الملحّ الآن: إلى متى يستمر تعطيل الإنتخابات الرئاسية في حال بقيت حظوظ العماد عون على حالها من افتقاد الأكثرية النيابية إلى جانبه؟

كل الأطراف السياسية تسلّم اليوم، والعماد عون في مقدمتهم، بأن الشغور الرئاسي عرّض المعادلة الوطنية للإختلال، بعدما افتقدت أهم قواعد توازناتها، وساعد كل تفاقم حالة العجز والشلل التي تهدّد دور الدولة وكيانها، ويكاد يؤدي إلى تعطيل بقية المؤسسات الدستورية.

وبقدر ما يصرّ خصوم جنرال الرابية على تحميله مسؤولية التعطيل، وتداعيات الإنهيار، يستطيع العماد عون أن يُثبت للجميع، في الداخل والخارج، على أنه هو المُنقذ للجمهورية، ولمشروع الدولة، والحريص الدائم على صيغة العيش بين اللبنانيين، وعلى حماية الدور والوجود المسيحيين في لبنان.

إن مراجعة بسيطة لنتائج إتصالات الأشهر الماضية، وقراءة واقعية للعوامل والعقبات التي اعترضت وصول العماد عون إلى قصر بعبدا، داخلياً وخارجياً، يجب أن تكون كافية للإنتقال من خطاب المُرشح إلى موقع المُنقذ، لأنه من المستبعد، أن يطرأ أي تغيير على تلك العوامل والعقبات، خارجياً كما داخلياً، وبالتالي فإن البقاء في المراوحة، وفي حالة الانتظار، ستكون كلفته باهظة على الزعامة العونية، مسيحياً ولبنانياً، في حين أن المبادرة نحو الإنقاذ ستكرّسه الزعيم المسيحي الأول..!

فهل يكون العماد ميشال عون هو المُنقذ للدولة: الجمهورية والصيغة والكيان؟