حُمِّل كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق أكثر ممّا يحتمل، فلا هو أراد كَسر الجرّة مع «حزب الله»، ولا الحزب رأى في مواقفه ما يُفسد لـ«الودّ» قضية بينهما، خصوصاً بعد استمرار تبادل الاتصالات والرسائل بإيجابية وعقلانية، قبل الكلام وبعده.

لم يكن أمام المشنوق أن يقول أقلّ ممّا قال، كوزير للداخلية ومصنّف صقراً في تيار «المستقبل»، وفي مناسبة بحَجم اغتيال اللواء وسام الحسن.

إعلاميّون قريبون من «حزب الله» نقلوا عن الوزير المشنوق انه سأل بعضهم لماذا لا ينظر الحزب إلى الجانب الإيجابي من خطابه عندما تحدث عن الشهداء في بريتال مثلاً؟ وانّ موقفه هذا عَبّر عنه أمام الرئيس سعد الحريري نفسه.

وفي المقابل تفهّم الحزب واعتبر أنّ للمناسبة والزمان والمكان دافعاً رئيسياً لمضمون الكلمة، أوّلاً كوزير للداخلية، ثم في ما يتعلّق بالمزاج السنّي العام، وبالتالي اتخذ قراراً بعدم الردّ وأعطى تعليمات إلى وسائله الإعلامية بذلك. (اعتُبر كلام الوزير محمد فنيش خارج سياق الموقف الحزبي).

أما بالنسبة الى إصرار البعض على ان النبرة العالية تعكس عودة التوتر إلى العلاقات السعودية - الإيرانية، فإن الفريقين (المشنوق والحزب) يحرصان على نفي ذلك، وردّ التصعيد الكلامي الاخير إلى أسباب عملانية واخرى تتعلق بالتركيبة الداخلية ال​لبنان​ية حصراً.

وفي الأساس، ليس هناك تبدّل في العلاقة بين الرياض وطهران. إذ إنّ كلّ ما رَشح عن الاجتماعَين اللذين عُقدا بين الجانبين، أحدهما في نيويورك والثاني في جدّة، أنهما لم يحققا أيّ تفاهم عَمليّ سوى على وضع جدول أعمال للبحث بينهما خلال زيارة كان من المفترض ان يقوم بها وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل إلى طهران.

إلّا أنّ ما حصل في اليمن، لم يكن، من الناحية الاستراتيجية، مقبولاً من السعودية التي كانت قد قرّرت الانفتاح على إيران بتشجيع من الرئيس الأميركي باراك أوباما من جهة، وتحت تأثير التحالف الدولي للقضاء على «داعش» من جهة أخرى، ففتحَت النار الديبلوماسية لتعود المفاوضات بين الدولتين اللدودتَين إلى ما كانت عليه، أي الى نقطة الصفر مجدداً.

من هنا، لن تظهر أيّ تداعيات للنَبرات العالية في نهاية الاسبوع الماضي، خصوصاً على الحكومة التي يُنظَر إليها على أنها حكومة ائتلاف وشراكة وتمّ تأليفها بقرار خارجي وداخلي مشترك، وهي باقية وتوفّر الأمن والاستقرار، ولَو في الحد الأدنى.

لا يزال الاتفاق الداخلي سارياً تحت مظلة خارجية تدفع إلى استمرار عزل الوضع اللبناني عن الأزمة السورية. والوقت ليس ملائماً للمعارك الداخلية فيما تهدّد «داعش» الحدود وتستعدّ لمعركة جديدة في عرسال مع اقتراب فصل الشتاء وحاجة الارهابيّين الى مأوى ومنفذ من الثلوج في الجرود، على رغم انّ الجهوزية العسكرية قادرة على جَبه أيّ محاولة لإعادة فتح المعركة هناك أو في أيّ مكان آخر.

يبقى ان الوزير المشنوق ومعه اللبنانيين يريدون انهاء جرائم الخطف التي تشكّل وجهاً اخر للارهاب والهاءً عن مواجهته، وليس على الحزب الاّ تكليف «صحوات» من بيئته للمساهمة في التخلص من هذه الظاهرة التي لا تخدم الا «داعش».