في “صحوةٍ” عاطفيةٍ فرضتها المناسبة صوّب وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق على حزب الله ومحاولاته استجرار النموذج العراقي وتطبيقه في لبنان على شاكلة “الصحوات”. وفي صحوةٍ دفاعيةٍ سريعة خرج النائب وليد جنبلاط ليردّ عليه داعياً الى “صحوات” فكرية. وإذا كانت لـ”صحوة” جنبلاط حكاية أخرى، فلتلك التي توقّف عندها المشنوق -”لاطشًا” مديرية المخابرات “بضهر البيعَة”- أبعادٌ قد تشكل الملمَح الأول لما ستكون عليه العلاقة بين تيار “المستقبل” وحزب الله قريباً بعيدًا من صورة “الطفيل” الجامعة لصقري الفكرين الأمنيَّين: المشنوق وصفا.

تحت عنوان: “اختلال الخطة الأمنية” أعاد المشنوق فتح “الأبواب المغلقة” أو شبه المغلقة منذ مرحلة تشكيل حكومة المصلحة الوطنية لا بل أبعد من ذلك منذ إطلاق الخطة الأمنية الإنقاذية في الطفيل. اليوم، وبعد مرور أشهرٍ على تلك الخطة، وجد المشنوق المناسبة المناسِبة ليتحدّث عن ذاك الخلل الذي يساهم في إنتاج بيئات خصبة للتشدد والتطرف والشذوذ الوطني وعن مسبّباته التي تصبّ في خانة وضع حزب الله في قفص الاتهام ومظلومية أهل السنة في واجهة النتائج. فما تأثير ما قاله المشنوق على علاقة تياره بحزب الله الذي آثر الصمت؟ وهل يمكن أن ينطبق واقع الصحوات العراقية على النموذج اللبناني؟ وكيف يقارب فريق 8 آذار هذا الكلام؟

لهذه الأسباب لم يردّ...

ربّما تحدّث المشنوق بصفته وزير داخلية غير عسكري بل شديد العاطفة في مناسبةٍ توقع الكثيرون أن يكون خطابه فيها تصويبياً لكن ليس حدّ استدعاء ردٍّ فجّ وصريح من جنبلاط بعد ساعات. “هكذا أراده حزب الله... تبريراً على هذا النحو” كما تؤكد مصادر مطلعة في 8 آذار لـ”صدى البلد”، إذ إن ذريعة المناسبة لم تطفُ على السطح سوى لتخفّف على المشنوق حدّة ما قاله استنادًا الى حقيقة أن حزب الله لا يريد أن يدخل في مواجهةٍ مع أحد حالياً وهو المنشغل في محاربة عدوّين: الإسرائيلي والتكفيري”. ليس حزب الله وحده من آثر الصمت وعدم الردّ رسمياً على كلام المشنوق، بل تيار المستقبل يفضّل هو الآخر على ما تؤكد مصادره لـ”صدى البلد” عدم الغوص في تفسير كلام وزيرٍ قال ما قاله استنادًا الى تجربة معيوشة لا من عندياته، لا بل قال الحقيقة التي يسعى حزب الله الى ترسيخها في الشارع اللبناني”. ولكن ألا يعيد هذا الموقف العلاقة الهادئة نسبياً بين حزب والمستقبل الى ما دون الصفر؟ تجيب المصادر: “إذا كان كلامٌ من هذا النوع سيجعل العلاقة أكثر سوءًا فهذا يؤكد أنه كلام دقيق كما أنه ليس جديداً ولكن المشنوق ارتأى أن يقوله بأسلوبه وهو ما يُسمَع يوميًا آلاف المرات في الشارع السني”.

“سلوكٌ غير واعٍ”

إذا كان أبناء بيت الوسط يتركون للمشنوق وحده تسويغ ما قاله، فإن ذريعة حزب الله لالتزام الصمت إنما تكمن حسب مصادر 8 آذار في إهانة المشنوق لمن هو أهمّ من حزب الله، لجهازٍ عسكريٍّ أساسي في الدولة”. وتتساءل المصادر: “من يطلب من السنّة في لبنان أن يكونوا صحوات. كلّ ما هو مطلوب اليوم أن يتوقف التجييش السياسي ضدّ الجيش وآخره على لسان معين المرعبي وقبله خالد الضاهر”. وتلفت المصادر الى أن “هناك فجوراً في الافتراء على الجيش، والتصويب على جهاز المخابرات مردّه الى أنه يضطلع بدوره وواجباته خدمة للأمن العسكري والأمن القومي”.

بصيغةٍ تبسيطية...

وصلت الرسالة بوضوح الى حزب الله. ومن لم يكن من أبناء التيار نفسه واعياً لمفهوم الصحوات سارع الى “نبش” ماهية استخدامه ليعرف كيف يتصرّف أمام سؤالٍ من قبيل قراءة موقف “الزميل الوزير” الذي فاجأ الجميع ولم يضعهم في أجواء “استعارته” السياسيّة من العراق لإسقاط الحالة على النموذج اللبناني. ببساطة أراد المشنوق بلغةٍ أكثر تبسيطًا أن يقول إن الخطة الأمنية التي وُلِدت لتُطبَّق على الجميع لم تشمل فعلياً كل المناطق بل بدا وكأنها تُطبَّق في مناطق أهل السنة فقط، وغدت الأجهزة الأمنية التي تترأسها المنظومة السنية مجبرة على مقاتلة المتطرفين هنا كما حدث في العراق. وهنا تعلق مصادر 8 آذار: “هذا الكلام غير دقيق إذ يعلم الجميع بأن الخطة الأمنية المطبّقة في الضاحية غير مطبّقة في أي مكان آخر وأحدٌ لا يتفوّه بكلمة وكذا في جبل لبنان والجنوب. فأين العيب في استنفار أهل السنة المعتدلين في وجه المتطرفين كما تحوّل الكثيرون من الشيعة والمسيحيين من سكان القرى المهدّدة الى محاربي صفّ أول ليحموا قراهم وأعراضهم وعوائلهم”.

الأسلوب يدمّر حلمه

لا تتردّد بعض ردود الأفعال الصادرة عن 8 آذار في الذهاب أبعد من قراءة الموقف بعقلٍ تبسيطي من باب “التصويب المستقبلي”، إذ تشير بعض القراءات الى أن “التنافس بين المشنوق وبعض الأسماء الأخرى كأشرف ريفي على موقع رئاسة الحكومة يدفع بكليهما الى إصدار مواقف غريبة ولكن ما لا يعلمه المشنوق الذي كان الجميع ينظرون اليه على أنه وزير داخلية عادل ومعتدل ويعكس نهجًا اعتدالياً يفتقده الكثيرون داخل تيار المستقبل، أن هذا الأسلوب يدمّر حلمه ويقتل حظوظه بالوصول الى سدّة الرئاسة الثانية”. وتردف: “يعرف حزب الله جيدًا أن الاستراتيجية الأميركية المعتمدة في المنطقة هي استراتيجية حرب الاستنزاف القائمة على معادلة: فرّق تسد، وتفرض إرساء جبهات بينيّة، ولكن حزب الله ليس في هذا الوارد ومن هذا المنطلق ضبط نفسه ولم يردّ على المشنوق. أما أكثر ما يؤلم في هذا الموقف فإنه بدر عن وزير الأمن عشية استشهاد جندي لبنان على يد التكفيريين”.

الصحوات هناك لا هنا...

للغائص في حكاية الصحوات أن يفهم جيدًا مقصد المشنوق وموضع إسقاطه، وفي هذا المضمار يؤكد أستاذ الحقوق والخبير العسكري العميد المتقاعد أمين حطيط لـ “صدى البلد” أن “مفهوم الصحوات في العراق لا ينطبق على ما هو موجود في لبنان، إذ إن الصحوات العراقية هو تجنيد لرجال من القبائل السنية لمحاربة القاعدة التي ترفضها وأدّى ذلك الى تنفّس العشائر وقتذاك، ولكن هذا الواقع غير موجود في لبنان. فعندما يقول المشنوق إنه لن يقبل بالصحوات فإن في ذلك ضرباً لفكرة الدولة ومؤسساتها. فهل الجيش اللبناني أو قوى الأمن الداخلي صحوات؟”. ويردف حطيط: “كأستاذ في الحقوق وكضابط سابق في الجيش أجد أن هذا الطرح ميليشياوي وليس منطق دولة. فإذا لم نجد مسلمًا نعدمه مقابل مسيحي محكوم لا نعدم المحكوم؟ هذا الطرح يثير استغراباً كبيراً لأنه لا يجب أن يصدر عن شخص يتسلّم مسؤولية الحفاظ على الأمن وإذ به يخرج بموقفٍ يفجّر الأمن. هذا الكلام أشبه بسحب الثقة من مديرية المخابرات وتعرية الجيش في مهامه الأمنية وتحريض السنة لعدم التجاوب مع القوى الأمنية”. ولكن لمَ سيهاجم المشنوق جهازاً أمنياً وهو الوزير المؤتمَن على حقيبة أمنية؟ تجيب المصادر: “لا علاقة له بجهاز المخابرات لا من قريب ولا من بعيد، ثمّ إذا كانت لديه انتقادات وتحفّظات على عمل هذا الجهاز فطريقه قصير إذ يمكنه عرض الموضوع في مجلس الوزراء ومصارحة وزير الدفاع، وهذه آلية طبيعية وسهلة جدًا. أما إذا كان قد صارح العميد إدمون فاضل ففي ذلك حتى خرقٌ أكبر. ففاضل ليس الرئيس التراتبي ولا يمكنه التحدّث اليه مباشرة إلا إذا انتدبه قائد الجيش لحضور مجلس الأمن المركزي، حينها فقط يطرح المشنوق الموضوع في المجلس. كل ذلك يفضي الى أن سلوك المشنوق لم يكن واعياً وفقاً للقانون الدستوري والصلاحيات”.

فرضية من اثنتين

ربّما هي المناسبة فعلاً “حشرت” المشنوق في ذكرى رحيل شهيد الأمن الأول وسام الحسن. وربّما ملّ وزير الداخلية والبلديات الانتقادات التي تطاوله شخصيًا والمتحاملة على خطته الأمنية الأشبه بابنته المدللة وإنجاز عهده الأول من باب هشاشتها واستنسابيّة تطبيقها ففجّر ما لديه في رسائل من كل الأنواع وفي كلّ الاتجاهات من دون أن يقول “يا أمي ارحميني”. كان الرجل يعرف أن ما قاله سيثير ردود أفعال قاسية ولكنه لم يتوقع -على سبيل التكهّن- أن يكون جنبلاط أول المغتاظين لا حزب الله نفسه أو قيادة الجيش.