يهدف التركيز على وجود حالة خطيرة في بلد معيّن، التمهيد لمجموعة من القرارات الاستثنائية التي تعاكس طبيعته التقليدية وتنافي الثوابت التي اعتاد على اعتمادها، والتمهيد لجعل ما لم يكن مقبولاً مطلوباً، بداعي الضرورات تبيح المحظورات.

عندما يقول أحد ما ويواظب على القول، إنّ لبنان في خطر فهو يمهّد للترويج لخطوة معينة ما كان ممكناً القبول بسماع الحديث عنها، لولا الاستباق الممنهج أنّ لبنان في خطر.

قيل لبنان في خطر عشية اتفاق السابع عشر من أيار، ويمكن أن يُقال لبنان في خطر لارتكاب خطيئة مشابهة.

مصادر الخطر على لبنان ثلاثة ليست واردة، الحرب الأهلية، الاجتياح «الإسرائيلي»، الانهيار المالي، وكلّ من هذه الثلاثة تعصم لبنان عنها أسباب، أهمّها وجود مقاومة قوية قادرة لا يوجد في برنامجها حرب أهلية، ولا يمكن لعدو كسر معادلاتها، فصار الحفاظ على وضع لبنان المالي المستقرّ ورقة خصومها الوحيدة لجعلها تتفادى الحصول على غالبية نيابية وتتولى الحكم منفردة، أليس هذا ما حدث عام 2009؟

الإرهاب يجتاح المنطقة، هذا صحيح، ومحدق كخطر بلبنان، لكن حدود ما يشكل من خطر تحت سقف القدرة اللبنانية على إدارة الحرب والتعايش مع النتائج، طالما تخطى لبنان مرحلة الخوف من نجاح الإرهاب بجرّه إلى الفتنة المذهبية، وبالتالي إلى الحرب الأهلية.

الفراغ في المؤسسات وعلى رأسها مؤسسة رئاسة الجمهورية، أمر خطير لكن طالما لا يوجد ما يهدّد وحدة البلاد، وطالما هناك وجود لقيادات مسيحية لا تتخذ الفراغ ذريعة للسعي إلى التقسيم، ولا توجد مخاطر على وحدة الجيش بسبب الفراغ، فالخطر تحت سقف القدرة على إدارته ومنع تحوّله إلى خطر وجودي أو كياني، من النوع الذي يجري الترويج له هذه الأيام.

لبنان ليس في خطر، بل هناك من أصدر أمر عمليات بالترويج لهذا التهويل، وإنتاج مواقف تشعر اللبنانيين بحضور الخطر واقترابه من غرف نومهم، لأنّ هناك ما يُراد للبنانيين قبول تمريره خارج المعقول وخارج ثوابتهم وخارج ما اعتادوه.

ببساطة لبنان ليس في خطر، ولن يتمّ تشريع وجود «جبهة النصرة» كمكون سياسي علني، يجب التعامل معه، بذريعة أنّ لبنان في خطر.