بلغت حالة «التمسحة» في الجسد الحقوقي العربي والإسلامي وتطبّعه مع قوانين الحقبة النفطية، الحدّ الذي صار واجباً شرح الأسباب التي تدعو إلى التضامن مع شخصية فكرية تواجه حكماً بالإعدام، بسبب آراء سياسية تعبّر عنها بشكل سلمي وترفض كلّ دعوة إلى عسكرة المعارضة في بلدها.

لو حدث هذا في سورية في بدايات الأزمة، وقبل أن تنجح القوى الكبرى ومن جنّدت معها من دول المنطقة ومن القيادات والقوى المعارضة في سورية، وقرّرت المحاكم السورية إعدام ميشال كيلو لتمّ تحريك مجلس الأمن الدولي والكنائس العالمية وصار مسيحياً، واجتمع اليسار العربي والدولي بمعزل عن السياسة، وصار أيقونة لليسار والديمقراطية… أو حسن عبد العظيم لاجتمع الناصريون بمن فيهم مؤيدو الدولة السورية استنكاراً وصار غيفارا العرب… أو سهير الأتاسي لقامت قيامة اللجان والهيئات النسائية في العالم وصارت جان دارك العرب، فكيف لو كان الشيخ سارية الرفاعي أو سواه من رجال الدين المنضمّين إلى صفوف المعارضة، والذين يدعون علناً إلى التمرّد المسلح، لانعقد المؤتمر الإسلامي بدورة استثنائية وناقش إسقاط عضوية سورية، علماً أنّ كلّ هؤلاء يجمعهم ما يسمح قانوناً بمحاكمتهم أمام محاكم عسكرية، بجرم التشجيع على حمل السلاح وتنظيم تمرّد عسكري، تؤكده التصريحات الصادرة علناً عن كلّ هؤلاء، بينما يصرّ الشيخ النمر على أنّ الكلمة سلاح كافٍ لإشهار الحق.

بالتأكيد لو حدث ذلك في سورية لخرجت في بيروت والقاهرة التظاهرات وانعقدت الاعتصامات ومؤتمرات التضامن.

أما شخصية قيادية دينية وشعبية بحجم الشيخ نمر النمر، تمثل ثلث سكان بلدها، وتعقلن الحراك لنيل حقوق المواطنة بالطريق الذي سلكه نلسون مانديلا لحساب مواطنيه، فيصبح التحرك تضامناً معه بحاجة إلى تبرير من نوع أنه لا يقع تحت تأثير الهوية المذهبية لعمامة الشيخ النمر.

في بلد لا دستور فيه، ويجبر أهله على حمل جواز سفر ينسبهم إلى دولة تحمل اسم عائلة الحاكم، ويغيب فيها كلّ ما له صله بتاريخ وجغرافية هويتهم، وتمنع المرأة من قيادة السيارة، وتمنع الصحافة غير المملوكة للأسرة الحاكمة، ولا برلمان ولا حق تظاهر، والتمييز العنصري هو الصفة الوحيدة التي يمكن أن توصف بها معاملة ثلث السكان على أساس طائفي مذهبي فئوي، والطابع الاستبدادي والاستعبادي لمعاملة كلّ السكان، وجب على الحبر أن يخرس، لأنّ الحاكم يملك من المال ما يكفي لشراء ذمة البيت الأبيض، وضمائر آلاف الكتّاب والمثقفين بصفة موظفين في مؤسساته الإعلامية التي تفوح منها رائحة النفط.

يجب أن نعتذر من الشيخ نمر النمر قائد مسيرة التغيير السلمي في الجزيرة العربية، لأننا وقفنا معه بعدم الانزلاق نحو مسيرة العنف، ولم ننتبه إلى أنّ أمة هذه حالتها تستحق أكثر من «داعش»، ويجب أن لا ننسى الاعتذار من الديمقراطية التي تتيحها سورية للمعارضين، وأن نخجل عند المسايرة لفجور من يقفون من المثقفين تحت دوش النفط يتطهّرون كلّ صباح، نشاركهم الدعوة إلى مزيد من الحرية والديمقراطية في سورية، بينما يجلس حسن عبد العظيم في قلب دمشقها، ويقول من شرفة بيته كلّ يوم، لا حل إلا بإسقاط النظام وفي قلب حرب عالمية على بلده، ولا يأتيه من حكومة يدعو إلى تبرير العنف ضدّها، إلا الدعوات إلى مؤتمرات الحوار.

الحال يدعو إلى الشفقة على البيئة الفكرية للمثقفين العرب والحقوقيين العرب، ونقابات المحامين وهيئات حقوق الإنسان، فكل شيء بات مزوّراً، وكلّ شيء بات لا يملك من اسمه إلا حدود ما تتيحه ممالك النفط.

أمام قامة دينية وشعبية ولقضية حق تسعى، وبالسلم تعتصم، وسلاحها الكلمة الحرة، تحكم بالإعدام فيندى جبين الإنسانية إلى درجة التأقلم مع سطوة المال على حساب الحق، يصير من الواجب أن نصرخ بعالي الصوت… ارفعوا أيديكم عن الشيخ نمر النمر.

إلى دعاة العقلانية نقول: انصحوا سادتكم من موقع الحرص، أنّ إعمال السيف في رقاب المسالمين سيشعل النار في جمر تحت الرماد، وسيكون الإعدام إذا نفذ، كما يقول التاريخ، شرارة تشعل كلّ شيء، والكرامة الإنسانية كما النفط مادة سريعة الاشتعال، فلا تشعلوها إكراماً للنفط.