لم تنضَج بعد صورة مرحلة «داعش»، ولا الأهداف المطلوبة منها، إذ نُقِل عن أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني لدى زيارته وشنطن أخيراً، ما قاله في الاجتماع المغلق المخصَّص للدفاع عن موقف قطر من العلاقة مع التنظيمات المتطرّفة: «...عندما نسأل المسؤولين الأميركيّين عن مرحلة ما بعد «داعش»، عن أوضاع المنطقة وصورتها المستقبلية، فإنّنا لا نسمع جواباً».

ملك الأردن عبدالله الثاني لاقى أمير قطر في كلامه، لكن من زاوية أخرى، عندما تحدّث عن مرحلة طويلة تتراوح بين 10 و15 عاماً.

الرئيس الاميركي باراك اوباما وخلال اجتماع القادة العسكريين للائتلاف الدولي، قال «إنّ الحملة ستكون طويلة الأمد وستشهد فترات يُحقَّق فيها إنجازات وأخرى تُميّزها الانتكاسات».

كلام أوباما يُبشّر بدماء كثيرة، وعلى رغم ذلك فإنّ الصورة الميدانية لا تحمل صورة الاستعجال لمواجهة خطر بهذا الحجم.

القصف الجوّي خجول ولم يؤدِّ إلى تغييرات ميدانية، بل نجَح فقط في رسم الخطوط الحمر لـ»داعش» ونطاق حركتها.

وفي موازاة ذلك، بدأت تظهر مؤشّرات مقلقة عن تغييرات جذرية ستطاول خريطة الشرق الاوسط مستقبلاً، طبعاً على نار «داعش».

ففي العراق، فشلت مهمة قائد الحملة الاميركية في استمالة رؤساء العشائر السنّية التي تحتضن «داعش». وبكلام اكثر دقّة، فإنّ مَن وافقَ على المسعى الأميركي لا يمثّل كثيراً على الارض، فيما زعماء العشائر النافذة استمرّوا في دعم «داعش» واحتضانها في إطار الحرب المفتوحة في المنطقة بين السنّة والشيعة. حتى الآن لم تنجح المحاولات الاميركية لتجديد تجربة «الصحوات»، أو أنّ الإغراءات لم تكن بالمستوى المطلوب.

وفي محافظة السويداء السوريّة حيث الغالبية الدرزية تقترب من خطر التطويق من «جبهة النصرة»، ظهرَت مؤشرات لافتة، إذ سعى الدروز إلى الحصول على أسلحة نوعية من النظام السوري لحماية مناطقهم، فاكتفَت القيادة العسكرية السوريّة بإرسال أسلحة فردية، ما أثار سخطَهم. واضحٌ أنّ النظام يخشى توفير مقوّمات التحرّر للأقلّية الدرزية والابتعاد عن سلطة دمشق رويداً رويداً، خصوصاً أنّ التجمّعات الشعبية لدى الدروز تُسجّل في المرحلة الأخيرة كثافةً للأعلام الدرزية في مقابل أعلام سوريّة معدودة.

وفي كوباني، معركة لم تنتصر فيها «داعش» حتى الآن، وليونة تركية رغماً عن أنقرة، خشية ارتدادات امنية في الداخل التركي. لكن المدينة ستبقى في عين العاصفة لأنّ زوالها سيعني زوال حلم أكراد سوريا بإنشاء منطقتهم.

في اليمن، تؤسّس سيطرة الحوثيين لتعميق النزاع المذهبي مستقبلاً، وسط تزايد منسوب العطف على تنظيم «القاعدة» لدى القبائل السنّية. أهمّية اليمن أنّها تصيب مباشرةً الشارع السعودي. ويراهن العرش السعودي على تجاوز الشارع السعودي تناقضاته، وتوحّده خلف قيادته، بسبب تطوّرات اليمن. وقد يكون حكم الإعدام على رجل الدين الشيعي نمر النمر في هذا الإطار.

وفي الأردن، اهتزازٌ للأرض حيث يحظى تأييد «داعش» بغالبية السكّان. إنفجارٌ قابل للحصول مستقبلاً وربّما تزامُناً مع تبدّل الحكومة الإسرائيلية بعد انتخابات مبكرة توصِل حكومة توافق على مشروع السلام الاميركي مع الفلسطينيين، ويسمح بحصول «ترانسفير» لجميع الفلسطينيين في اتّجاه الأردن، الأمر الذي أبدى ملك الأردن خشيته منه مراراً.

في اختصار، مشروع «داعش» الطويل، له أهداف تصل الى حدود تفتيت المنطقة أو «الفوضى الخلّاقة» التي لطالما سمعنا عنها في الأعوام الماضية.

ما يقلق ال​لبنان​يين مسألتان أساسيتان: أوّلاً، هل سنذهب في الاتجاه نفسه الذي قد تسلكه المنطقة؟ وثانياً، هل سيواكب اللبنانيون هذه التغييرات الهائلة في حال حصولها وسط اضطرابات دموية داخلية؟

النائب وليد جنبلاط الذي يراقب التطوّرات الدرزية في سوريا، والقلق من تنامي قوّة المتطرفين في الشارع السنّي، آثرَ «العودة الى أصول الدين» أو إتّباع التقيّة مرّة جديدة. ويحاول التقليل من المخاطر المستقبلية على رغم معارضة شارعه له وانسياقه وراء الغريزة والعصبية القاتلة.

أمّا المسيحيون، فما زالوا يتنازعون ويتناحرون وفق مفردات الماضي، يوم كانت المنطقة مستقرّة وهم يتمتّعون بالامتيازات. ذلك أنّ هناك من يرى في استمرار الفراغ الرئاسي باباً واسعاً لأخذ لبنان إلى مرحلة جديدة وصيغة سياسية أخرى، عندما يحين الموعد وفق الساعة الإقليمية.

لكنّ التوقيت لا يزال مبكراً، ما يَعني استمرار مرحلة عدم الاتّزان الداخلي بكلّ مآسيها، كما أنّ الوصول إلى مؤتمر تأسيسي بلا وجود رئيس للجمهورية سيزيد من ضعف المسيحيين في المعادلة المطروحة.

هناك مَن يعتقد أنّ مرحلة «داعش» الطويلة تستلزم محطات هدنة لالتقاط الأنفاس، وهذا ما يُطرَح الآن. مشروع ترقيع السلطة بدأ في العراق (وزير الداخلية قريب من إيران ووزير الدفاع قريب من البعثيين السابقين)، ومطروح لليمن (حكومة موَقّتة وانتخابات بعد تسعة أشهر)، ولسوريا (حكومة تضمّ ضبّاطاً من الجيش النظامي والجيش الحر).

أمّا بالنسبة إلى لبنان فمطروح رئيس توافقي وحكومة وحدة وطنية. لكنّ العقبات الداخلية كبيرة، حيث يراهن البعض على استمرار الفراغ للتعجيل بالمؤتمر التأسيسي.