من يتوغل قليلا في كواليس السياسيين ومجالسهم الخاصة يدرك ومن دون ادنى شك بان غالبيتهم الساحقة ينتظر التسوية الاقليمية ليبني عليها مواقفه، أكان لجهة انتخاب رئيس جديد للبلاد ام لناحية تحديد مسار التمديد للمجلس النيابي ومدته وما هو المطلوب لتمرير المرحلة، في ظل اعتقاد سائد لدى هذه الغالبية بان البلاد ستشهد حتما على مؤتمر تأسيسي جديد، بدأ الغرب يعمل جديا عليه خصوصا ان الخريطة السياسية والتنظيمية لدول المنطقة كافة بدأت تتبدل وتتظهر وفق معطيات جديدة بدأت مع اعطاء الكيانات والاثنيات الكثير من الامتيازات.

ويبدو ان حسابات تيار المستقبل ورئيسه النائب ​سعد الحريري​ لا تختلف عن حسابات سائر الافرقاء بمن فيهم رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون في الشكل وان اختلفت في المضمون او في القراءة السياسية والاستراتيجية، فالاول ووفق قيادي في تياره يعتبر ان تطورات الايام والاسابيع القليلة المقبلة ستكون في مصلحته وتصب نتائجها في خانة فريقه السياسي، على الرغم من ان شارعه يشهد حالة من التململ على خلفيات متنوعة ابرزها رهانات خاطئة على غرار ابقاء التطرف تحت السقف المسموح به لاستعادة بعض المعنويات، او بقاء المعارضة السورية في موقع المبادر وبالتالي الاستفادة من هذا الواقع لكسر شوكة حزب الله واشغاله عن زواريب السياسة الداخلية بامور اكثر تعقيدا. فيما يرى الثاني ان حظوظه الرئاسية ما زالت مرتفعة للغاية في ظل دعم مطلق من حزب الله داخليا والمحور الروسي الايراني السوري خارجيا اضافة الى بعض الدول الغربية التي تعتبره غير منتهي الصلاحية لقيادة مؤتمر تأسيسي يؤدي الى نظام جديد.

في هذا الوقت، تجمع مصادر دبلوماسية على القول بان ما ينتظر لبنان في المدى المنظور هو مؤتمر عام يشبه الى حد ما ذلك الذي انعقد في الدوحة العام 2008 وادى الى التسوية التي جاءت بميشال سليمان رئيسا للجمهورية، والى قانون انتخاب اعاد انتاج الطبقة السياسية نفسها مع فارق بسيط في الولاءات، وتذهب الى حد التأكيد بان اتصالات جدية بدأت بين الدول المؤثرة لتحقيق هذا الهدف، لاسيما ان بعض هذه الدول بدا منزعجا من مفاعيل اتفاق الطائف وبنوده المتعلقة بالعلاقات اللبنانية-السورية وما يمكن ان ينتج عنها في حال تقيد الجانب اللبناني بها لجهة البنود العسكرية والقضائية، وبالتالي فان المصلحة الاقليمية والدولية تقضي بانهاء هذا الاتفاق ومفاعيله بصورة نهائية قبل الحديث عن انتخابات رئاسية او نيابية جديدة، بما يعني ان البحث يدور بين اصحاب القرار حول ما اذا كان المؤتمر المفترض سيأتي برئيس جديد او العكس من جهة، وحول اللحظة السياسية المناسبة وضرورة التقاطها من جهة ثانية.

وتكشف المصادر الدبلوماسية عينها ان هناك قيادات لبنانية فاعلة باتت على علم بهذه التحضيرات وانها بدأت تعد ملفاتها لهذه الغاية، في ظل قناعاتها السابقة، مع الاشارة الى ان الاقطاب انفسهم يدركون ان الحلول تأتي من الخارج، ولا سبيل للتأثير على مراكز القرار لا بالضغط في هذا الاتجاه ولا في ذاك خصوصا ان القاصي والداني بات يدرك حقيقة الوضع ومدى ارتباط الوضع اللبناني بازمة المنطقة، وما يتصل بها من تداعيات ومتغيرات وتحالفات من المرجح ان تتبلور على مدى الاشهر القليلة المقبلة، ما يفسر بدوره تعنت الاقطاب المحليين وعدم تجاوبهم مع اي من المبادرات الداخلية والاقليمية، مع ملء الوقت الضائع راهنًا بمناكفات محدودة المفاعيل لا تغير في الواقع شيئا بانتظار انتهاء المشاورات واتخاذ القرارات لعقد مؤتمر لبناني المظهر يرتدي قبعة عربيّة أوغربيّة.