لم يكن الاعلام يوما أولوية لدى حزب الله، حتى أن طريقة تسويق أفكاره ومشروعه ومبادئه لم يعرها الكثير من الأهمية في مرحلة ما قبل "داعش"، ما أثّر كثيرا على صورته في المجتمع الغربي. لكن الحزب يعي اليوم ان مرحلة ما قبل "داعش" و"النصرة" ليست كما بعدها، فالتنظيمان الارهابيّان المتطرفان يستخدمان تقنيات جديدة ومبهرة كما أنهّما خبيران في مجال مواقع التواصل الاجتماعي ولا شك يعتمدان على أخصائيين برعوا في اخراج أفلام قصيرة تُظهر كيفية خوض مقاتليهم المعارك، او كيفية تعاطيهم مع أسراهم ومؤخرا عمليات الفرار لبعض المغرّر بهم من عناصر الجيش اللبناني وضعوها في قالب جديد لحث عناصر أخرى على تنفيذ عمليات مماثلة.

قد يكون معظم ما يخرجه التنظيمان للعلن يضر بصورتهما في المجتمع الغربي اذ يصوّر كيفية تطبيقهما الشريعة الاسلامية التي يرفضها ذلك المجتمع، الا أنّه وبما لا يقبل الشك عامل مؤثر في إستحواذ رأي عام داعم من خلال كسب عقول وقلوب المقاتلين المترددين. ولا يصح تعميم تجربة "داعش" في هذا المجال على تجربة "النصرة"، فالتنظيم الأول الناشط في مجال الاعلام والتسويق، لا ينافس "النصرة" التي تتصدر الترتيب كونها أكثر الساعين لاظهار "صورة حضارية" لا تشبهها. وقد استخدمت "النصرة" في الفيلم الطويل لعملية مقايضة راهبات معلولا، ومؤخرا الأفلام القصيرة التي بثت للعسكريين المختطفين، ولأحد المنشقين تقنيات عالية في الاخراج والتصوير تولاها ذراعها البصري "المنارة البيضاء".

وتوكل "النصرة" و"داعش" مهمات التسويق والتغطية الدعائية لناشطين على موقعي "تويتر" و"فايسبوك"، تحولوا لمصادر أخبار تتابعها وسائل الاعلام الدولية لتقصي جديد التنظيمين.

بالمقابل، لم يدخل "حزب الله" فضاء مواقع التواصل الاجتماعي بشكل رسمي، ولا يزال يصرّ على أن اي أخبار عنه لا تصدر من خلال بيان عن دائرته الاعلامية، مشكوك بأمرها. وبالرغم من تمسكه برفض صيغة "مصادر في حزب الله"، الا أن تغييرات كبيرة طرأت مؤخرا على اعلام الحزب وخاصة بعد تعيين محمد عفيف، مدير الأخبار والبرامج السياسية في قناة «المنار» سابقا، مسؤولا لوحدة العلاقات الإعلامية، محتفظاً بمنصبه كمستشار إعلامي للأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله.

يعتمد عفيفي أسلوبا جديدا منفتحا بالتعاطي مع وسائل الاعلام الصديقة والعدوة على حد سواء، يرفض مبدأ المواجهة ويصر على وجوب التواصل مع الجميع دون استثناء... الا أن قراره هذا بالانفتاح لم يتزامن مع قرار مشابه بالسماح لنواب ووزراء الحزب بالعودة الى شاشات التلفزة وصفحات الصحف التي قاطعوها منذ اندلاع الأزمة في سوريا في العام 2011.

يوكل حزب الله مهمات التغطية الدعائية والتسويق الاعلامي لشخصيات محددة وان كان ذلك لا يتم بشكل مباشر ورسمي. فللحزب رجالاته على الشاشات حتى ولو لم يكونوا من نوابه أو وزرائه أو قيادييه، كما للحزب مصادره حتى ولو رفض الاقرار بذلك، والأهم للحزب ناشطيه الذين يسربون ما يرتأي الحزب تسريبه على وسائل التواصل الاجتماعي.

وقد شاعت مؤخرا عمليات تسريب فيديوهات لعناصر الحزب وهم يهزأون من خطة النائب سامي الجميل لضبط الحدود الشرقية. وقد ظهر العناصر وهم يقومون بأعمال حراسة من مواقعهم المتقدمة في السلسلة، وما كان هكذا تسريب ليحصل ويستمر التداول به لولا وجود قرار ضمني من الحزب أو أقله لولا تغاضيه عنه.

كما سرّب ناشطون مقربون من الحزب في وقت سابق فيديو لطائرة تابعة له تستهدف موقعا للمسلحين في جرود عرسال، لتوجيه رسالة حادة ومباشرة بامتلاك الحزب طائرات قادرة على تنفيذ عمليات مماثلة ولربما رسائل أبعد من ذلك في أكثر من اتجاه.

ولعل الفيديوهات الأبرز التي لاقت رواجا، هي تلك التي أظهرت عمليات قتالية للحزب في سوريا وكشفت وجوه عددا من قيادييه هناك.

وترفض مصادر مقربة من الحزب الحديث عن مواجهة اعلامية بين وحدة الاعلام الحربي للحزب وبين وحدات الاعلام لدى مجموعات "داعش" و"النصرة" الارهابية، متحدثة عن مواكبة تطور وسائل الاعلام والتواصل بغض النظر عمّا يقوم به العدو في هذا المجال.

وبين مواجهة وأخرى وساحة وأخرى، يخوض حزب الله أعنف المعارك العسكرية والسياسية والاعلامية وحتى النفسية وهو اثبت الى حد بعيد قدرات كبيرة في كل المجالات تجعله متفوقا وبدرجات كبيرة عن أعدائه.