تؤكد اوساط الخارجية اللبنانية ان لبنان تجاوز وثيقة اعدتها المانيا مع عدد من الدول المشاركة في مؤتمر برلين، لجعله يحتفظ بأكثر من مليون و100 الف لاجئ سوري مسجلين في المفوضية العليا للاجئين التابعة للامم المتحدة، بدلاً من دعم خطوات الحكومة التي لم تعد تتحمل الاعباء المالية المترتبة على اعدادهم الضخمة. وتقول هذه الاوساط إنّ الذريعة التي اعتمدها معدو "الوثيقة" ان الحرب في سوريا ممتدة ربما الى سنوات، وان برلين وعواصم اخرى متعاطفة معهم، على اساس ان لبنان بلد مضياف واهله صدرهم رحب، وهو البلد الذي استضاف لاجئين في العصر الحديث، الى ما هنالك. صحيح ان وزير خارجية المانيا فرانك والتر شتانماير تجاوب مع طلب لبنان استضافة مؤتمر مخصص لمعالجة ازمة اللاجئين السوريين لتقليص عددهم ولمساعدتهم، الا ان برلين وسّعت الطلب ليشمل جميع اللاجئين السوريين من جراء المواجهات العسكرية التي بدأت بين قوات النظام ومقاتلي المعارضة، الى ان تطوّرت بدخول مسلحي "داعش" و"جبهة النصرة" الذين انخرطوا في مقاتلة النظام وتحجيم قوات المعارضة.

واوضح المسؤولون في الخارجية امر الوثيقة، فلفتوا رئيس الحكومة تمام سلام واعضاء اللجنة الوزارية المكلفة شؤون اللاجئين، ورفضوا التوقيع عليها وادراجها في البيان، وهددوا بمقاطعة المؤتمر في حال طرحها على المؤتمرين، فتراجع الالمان. وما جعل المسؤولين يستغربون "مشروع الوثيقة" تلك هو انهم اطلعوا نظراءهم الالمان وسواهم في الدول الكبرى وفي المنظمات الدولية على عجز لبنان عن تحمل تلك الاعباء حاليا ومستقبلا، في ظل تراجع الحالة المالية والاقتصادية ومشاركة اللاجئين في الافادة من الخدمات المعيشية.

ولكن جهات سياسية انتقدت الاستراتيجية التي اقرتها الحكومة للاجئين، والتي سيطلع عليها المؤتمر يوم الثلثاء المقبل، لانها ستكرس وجود الذين تنطبق عليهم صفات اللاجئ، وقد يكونون بالآلاف، وسينتزعون الفرص من العمال اللبنانيين باسعار متهاودة. وسألت اين هي الآلية التي ستشرف على تنفيذ تلك الاستراتيجية لإعادة من يرغب في العودة اذا عاد الهدوء الى مدنهم وقراهم، او الانتقال الى الاماكن السورية الهادئة التي لم تشهد اشتباكات؟ صحيح ان تشدد مراكز الامن العام في التدقيق في دخول اي لاجئ جديد سيؤدي الى انقاص عدد الوافدين والى نزع صفة لاجئ عن كل من سُجّل بهذه الصفة اذا سافر الى سوريا او من تثبت التحقيقات انه يعمل ولا يحتاج الى دعم المفوضية والى تشجيع هؤلاء على العودة الى ديارهم او الى اي بلد يريدونه. ولكن كيف سيتشجع اللاجئ الذي يستفيد من مساعدات غذائية وسكن حتى في تجمعات غير منظمة للافادة من مغادرة لبنان الى بلاده او الى اي دولة اخرى؟ علما ان الخيار الاخيرة يستوجب قبول سلطات تلك الدولة بلجوئه!

وقللت اهمية الاداة الامنية المطروحة في الاستراتيجية، باعتبار ان عناصر الشرطة البلدية ليسوا مدربين لهذه الهمة، لان المخابرات التي اوقفت حتى الآن متهمين بالارهاب، لا يمكن الشرطة البلدية ان تقوم بمهمتها او ان ترصد تحركاتهم التي يمكن ان تكون نهارية، وتقوم بأعمال مخلة بالامن علما ان سكانا من مخيمات عرسال انضموا الى صفوف "النصرة" لمقاتلة الجيش. ونبهت الى ان رفض الوثيقة لا يعني ان "توطين اللاجئين السوريين في اماكن متعددة سيتم بهدوء، تماما كما حصل مع الفلسطينيين ومضى على استضافتهم 66 عاما، وما من لبناني ينسى المعارك التي خاضتها التنظيمات الفلسطينية وعلى الاخص "فتح"، والضحايا التي خلفتها والدمار الواسع في كل المناطق.