لم تكن العلاقة بين ​الأردن​ والفلسطينيين سلسة وطبيعية، فهذه المملكة تمتلك هاجساً قوياً بتحولها إلى دولة بديلة للفلسطينيين بسبب احتلال اسرائيل للدولة الفلسطينية. من هنا، كان الأردن أول من يرفع الصوت لضمان حقوق الفلسطينيين، وعمل بجهد على أيام الملك الراحل حسين بن طلال، على تقريب وجهات النظر بين الاسرائيليين والفلسطينيين من أجل التوصّل إلى اتفاق سلام وحل نهائي للأزمة، ولعله كان من القلائل جداً الذين عملوا بروح صادقة من أجل إحلال السلام، ليس كرمى لعيون الفلسطينيين أو الاسرائيليين، بل من أجل إبعاد شبح "الدولة البديلة" عن بلاده.

اليوم، يعيش الأردن هاجساً جديداً يتعلق بهويته، فـ"داعش" أصبح على الحدود، وإذا ما استمرّ هذا الوحش الارهابي في النمو، فسيكون الذريعة الأنسب للغرب من أجل التسريع في عملية تقسيم المنطقة، وقد تطال شظايا هذا التقسيم الأردن، أو على الأقلّ ستخلق همّاً جديداً يرى الأردنيون أنهم في غنى عنه.

وأتت المعارك التي اندلعت بين الجيش السوري والمعارضة قرب الحدود السورية-الاردنية والتي استخدم فيها الطيران الحربي، لتزيد من توتر الاردنيين ومخاوفهم. فخوف الأردن ليس بطبيعة الحال من إمكان دخول "داعش" أو أيّ تنظيم إرهابي آخر إلى أراضيه، لأنّ الجيش الأردني يمسك بالحدود بشكل جيد، كما أنّ الأردن نسج علاقات استخباراتية قوية مع أبرز دول العالم، إضافة إلى إعلان إسرائيل عن استعدادها للتدخل عسكرياً إذا لزم الامر وعند طلب الاردن منها ذلك(1). ومن البديهي أنّ القوات الأجنبية، وخصوصاً الأميركية في المنطقة، لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء أيّ تهديد من هذا النوع، ولكنّ الأمور في الأصل لن تصل إلى هذا الحدّ.

غير أنّ عنصر القلق الدائم لدى الأردن، هو شبه الاجماع السائد لدى معظم السياسيين في المنطقة حول التقسيم الجغرافي الجديد للمنطقة والذي سيطال دولاً عربية مجاورة للاردن (سوريا والعراق)، بحيث لن توفر شظاياه المملكة الواقعة في هذه المنطقة تحديداً.

وما يزيد من ترقب الأردنيين هو الواقع الذي تعيشه دول الخليج أيضاً، حيث تكثر التقارير والمعلومات عن قرب انهيار نظام خليجي وهو سيكون أشبه بلعبة "الدومينو" التي ستوقع كلّ الأنظمة المجاورة معها. وبالتالي، لن يجد الأردن نفسه في بيئة محصّنة، بل في بيئة خطيرة أقيمت فيها دويلات جديدة قادرة على خلق توتراتٍ كبيرة وكثيرة في المنطقة، وقد تكون إحداها ملاصقة للاردن أو ربما داخل حدوده.

من هنا، يجهد الأردن ليكون عقبة أمام أيّ مشروع من هذا النوع، ويسخّر علاقاته واتصالاته مع العرب والعالم من أجل إفساح المجال أمام الحلول السياسية التي لن ينجم عنها تغييرات جغرافية، بدل الاعتماد على الحلول العسكرية التي غالباً ما تكون توطئة لاحداث تغييرات سياسية وميدانية وجغرافية.

كلّ دول الشرق الأوسط ستكون عرضة لمخاطر التقسيم وتبعاته، ولكنّ الأردن سيعاني أكثر من غيره، في حال حصل هذا السيناريو لأنّ شبح "الدولة الفلسطينية" البديلة سيبقى حاضراً، وإذا أقرّ سيناريو الدولتين المتجاورتين (إسرائيل وفلسطين)، فإنّ توطين الفلسطينيين في الأردن واقع لا محالة مع فارق مهم وهو أنّ الأردنيين لن يكون بمقدروهم السيطرة على الفلسطينيين كما يفعلون حالياً، وهو ما قد ينبىء بمشاكل داخلية كبيرة وقد ينذر ببداية انهيار المملكة الهاشمية.

(1)في 15 ايلول 2014، قال وزير شؤون الاستخبارات الاسرائيلي يوفال شتاينتز إنه "إذا واجه الأردن خطرا حقيقيا بسبب زحف تنظيم داعش إلى أراضيه، وإذا طلب الأردن أي مساعدة، فإننا سنهب لمساعدته من دون تردد".