من السلسلة الشرقية إلى الضنية مرورًا بطرابلس، تتسع رقعة المواجهة بين ​الجيش اللبناني​ من جهة والارهابيين من جهة ثانية في ظلّ علامة استفهام تكبر يومًا بعد يوم تتمحور حول ما إذا كان مسموحًا للجيش بحسم المعركة لمصلحته أم أنّ المطلوب منه في هذه المرحلة هو الابقاء على حالة توازن تتماهى مع المشهد الاقليمي عمومًا والحرب الغربية على "داعش" خصوصاً. فالخلافات الداخلية واستمرار المواجهات السياسية بين المكوّنات الحكومية معطوفة على مواقف بعض الوزراء العلنية من موضوع تسليح الجيش والهبة الايرانية غير المشروطة، إضافة إلى موقفهم من ملف النازحين وتعاطفهم الضمني مع بعض الشارع الطرابلسي والتغطية على المسلحين والمعتدين على الجيش توحي بالاحتمال الثاني إذا لم تكن تؤكده، خصوصًا أنّ المواجهة المفتوحة لم تعد محصورة بمكانٍ محدّد ولا بزمانٍ معيّن بل تحولت إلى مادةٍ دسمة من شأنها أن تعيد مشهد نهر البارد وإن كان بصورةٍ أشمل وأخطر بعد سلسلة التحولات الطارئة على الديمغرافيا اللبنانية.

ما يعزّز هذا الاعتقاد هو التزامن الكامل بين العملية الأمنية التي نفذها الجيش اللبناني في الضنية التي حققت له صيدًا ثمينًا وفق التعبير الأمني، والهجوم الواسع النطاق على وحداته داخل طرابلس وأحيائها الداخلية والمتداخلة في مشهدٍ ينمّ عن تنسيق كامل بين الخلايا النائمة وتلك المتحركة يؤكد على فاعلية هذه الخلايا المدعومة سياسيًا وعسكريًا من مصادر محلية مرتبطة بالخارخ بدليل عدد الاصابات التي حققتها في صفوف الجيش اللبناني في الساعات الاولى لبدء المواجهات وتوقيت الحراك الامني الدقيق في مقابل رد الجيش على مصادر النيران لاسكاتها وايقاع خسائر بين المهاجمين من دون مقاربة الحسم المفترض لاعادة الخطة الامنية إلى مسارها الصحيح وعدم تعرّضها مجدّدًا لانتكاسات تحولت إلى يومية في الأسابيع الأخيرة بحجج مصدرها سياسي بامتياز على غرار الحملات المنظمة التي يتعرض لها من سياسيين ونواب مفاعيلها تحريضية طويلة الامد تصب في خانة الحرب المذهبية المستعرة من العراق الى لبنان مرورًا باليمن وسوريا وسائر دول الجوار.

في الموازاة، تتحدث مصادر محلية عن المزيد من الخلايا النائمة التي يمكن أن تتحرك بفاعلية وخطورة لحظة الصفر المحددة، وبالتالي فإنّ العمليات التي تنفذها هذه المجموعات ضدّ وحدات الجيش وعناصره ما هي إلا جسّ نبض لمعرفة ردود الفعل والعمل على تحاشيها، إضافة إلى إشغال الجيش في مواجهات جانبية لتشتيت قواه في ظل حقيقة راسخة وهي أنّ عديد الجيش هو لتنفيذ الخطة الامنية وليس للحسم، وبالتالي فإنّ السباق بين الارهاب والقضاء عليه بات واقعًا لا يمكن التغاضي عنه ولا نكرانه أو التقليل من اهميته لاسيما أنّ الحراك الذي تنفذه السلطات السياسية لا يقارب المواضيع الحساسة إنما يدور حولها لاضاعة الوقت وانتظار ما يمكن أن يحمله المشهد الاقليمي من تطورات متسارعة يعول عليها لتظهير التداعيات على الساحة اللبنانية.

في هذا الوقت، يبدو وبحسب معلومات المصدر المحلي أنّ الايام القليلة المقبلة ستشهد المزيد من الاعتداءات على الجيش اللبناني لتوسيع رقعة التوتر من جهة ولالهائه عن متابعة الاوضاع الميدانية في جرود عرسال خصوصًا أن الاتجاه ينحو بقوة الى التصعيد في البقاع الغربي وعكار لوصل خط المواجهة وتحويله الى حرب متاريس إذا ما جاز التعبير أو بشكل أوضح إلى حرب استزاف طويلة الامد تتماشى والمشهد السائد في المنطقة وتتماهى مع مفاعيله المخصصة لتعميم مشهد الفوضى الخلاقة التي يعمل على تعميمها الغرب بالتنسيق الكامل مع واشنطن لتشمل لبنان أيضًا مستفيدا من الانقسامات والتناقضات الداخلية.