إنه لبنان، بلد التسويات منذ أحداث نهر البارد في العام 2007 وما استتبعها من نتائج مؤتمر الدوحة وحتى أحداث ​طرابلس​ وعكار المستمرة حتى الآن، مرورًا بعملية خطف الجنود في عرسال وما تلاها من أحداث ومعارك أدّت إلى استشهاد عشرات العسكريين، وأحداث عبرا والنتائج التي انتهت إليها، أكان لجهة فرار الارهابي أحمد الاسير أو لناحية الابقاء على الخلايا وعدم فكفكتها بالكامل بعد ضغوط سياسية من قبل الطبقة السياسية المتعددة الولاءات.

بهذا التعبير، وصف قيادي قريب من الرابية الوضع السائد في لبنان، مؤكدا أنّ ما تشهده مدينة طرابلس منذ اجتماع قياداتها ما هو إلا وجه من أوجه التسوية، التي تعيد إلى الأذهان أحداث عبرا في ظلّ مفارقات بدأت مع صدور الأمر السياسي بتأمين معبر آمن للمدنيين من أحياء باب التبانة وما رافقها من فرار، أو بالأحرى تهريب لقادة المحاور وأبرزهم شادي المولوي أمير النصرة في طرابلس، وعدد من مرافقيه، والاكتفاء بمداهمة مخازن السلاح أو بعضها والقاء القبض على عدد قليل من المسلحين، من دون مقاربة قادتهم أو مموليهم أو أيّ من الامراء في مقاربة منسوخة عن فرار الارهابي احمد الاسير، بحيث تكرّر المشهد الذي ساد في بحنين قبل ساعات قليلة لجهة فرار الشيخ خالد حبلص، وعدد من مسلحيه عبر بساتين المنطقة في مشهد مكرّر لعملية تهريب قائد مجموعة فتح الاسلام في مخيم نهر البارد شاكر العبسي.

انطلاقا من هذه القناعة، يعرب القيادي عن خشيته من تكرار المشهد الطرابلسي في غير بقعة من لبنان، لا سيما في صيدا المتصلة عضوياً وعقائدياً بمخيم عين الحلوة الذي بات يضمّ الكثير من قياديي "القاعدة" وأخواتها، وذلك إمعانًا في إنهاك الجيش وتوسيع رقعة عملياته، وبالتالي توزيع عديده وعتاده على جبهات مفتوحة تسمح بخروقات يمكن توظيفها في الجبهات الأساسية، أي في طرابلس وعرسال، في ظلّ اعتقادٍ بأنّ الارهابيين لن يسلموا بخسارة في الشمال على اعتبار أنّ المنطقة برمّتها تشكل بابًا واسعًا على البحر يؤسّس بدوره إلى استكمال الامارة "الداعشية".

في الموازاة، يعود القيادي ليستشهد بعددٍ من المواقف السياسية التي صدرت في الساعات الأخيرة على غرار اعتبار النائب عن كتلة "المستقبل" احمد فتفت بان لا لزوم لرفع الحصانة عن زميله في الكتلة النائب خالد الضاهر، مع أنّ خطابه السياسي موثق بالدلائل والشواهد منذ اندلاع الحرب في سوريا، ليشير إلى أنّ الطبقة السياسية ما زالت على ارتباطها بالخارج وبالتالي فانها عاجزة عن اعطاء الغطاء السياسي غير المشروط للقوى الامنية لمحاربة الارهاب والقضاء على الارهابيين بالرغم من خطورة المرحلة، بعد استطاعة هؤلاء تكوين خلايا فاعلة هاجمت في غضون ساعات قليلة عددًا لا يستهان به من عناصر الجيش واسقاط عدد منهم بين شهيد وجريح، بيد أنّ عدد الشهداء فاق عدد المسلحين المعتقلين في اشارة واضحة إلى قطبةٍ مخفية توحي بان القرار السياسي لم يتخذ بالكامل للقضاء على الخلايا، بل الاكتفاء بتحجيمها وتقليل من اهميتها في مشهد مكرر عن عبرا، التي ما زالت جمرًا تحت الرماد نظرا إلى أنّ الارهابيين الاساسيين وقادتهم تحولوا الى مناطق اخرى من دون التغيير في سياساتهم الارهابية باي شكل من الاشكال وبالتالي فان مدة صلاحيتهم لم تنته بعد، انما ينتظر كل واحد منهم الاوامر لايقاظ خليته كما حصل في عكار وطرابلس.

ويخلص المصدر عينه إلى القول أنّ التسويات والصفقات ستبقى سيدة الموقف، وبالتالي فان من الضرورة البحث عن المصالح المشتركة على غرار التمديد للمجلس النيابي تحت عنوان الظروف القاهرة ما يحول دون امكانية الطعن به، او ارغام المجموعات اللبنانية على القبول برئيس يسميه الخارج كما حصل ابان تسوية الدوحة باعتراف الجميع، وبالتالي الابقاء على الملفات معلقة الى ان يقضي الله امرا كان مفعولا، والتعبير للقيادي.