كان لافتًا، خلال الأحداث التي شهدتها منطقة ​طرابلس​ شمال لبنان، عدم صدور أيّ موقف عن تنظيم "داعش" يعلق عليها، على الرغم من أنها بدأت على خلفية توقيف القيادي في التنظيم أحمد سليم ميقاتي، بحسب ما أكد البيان الصادر عن الجيش، الذي أشار إلى أنّ ميقاتي بايع أخيرًاً "داعش"، ويُعتبر من أهمّ كوادره في الشمال، وقام بإنشاء خلايا مرتبطة بالتنظيم في المنطقة، وكان يخطط لتنفيذ عمل إرهابي كبير بالتنسيق مع ابنه عمر الذي يقاتل في جرود عرسال، بالإضافة إلى تواصله مع قياديين في "داعش" داخل الأراضي السورية.

من الواضح أنّ "​جبهة النصرة​" بقيادة أميرها في منطقة القلمون أبو ملك التلّي هي من كان يتولى الإشراف على سير المعارك، ويعطي التوجيهات إلى المقاتلين في كيفية التصرف، وعملت على إستخدام ورقة الضغط التي لديها، المتمثلة بالعسكريين المخطوفين، من أجل التخفيف من الضغط على المسلحين في طرابلس، لكنها في الوقت نفسه لم تكن تريد الإستمرار في المواجهة طويلاً.

من وجهة نظر مصادر متابعة، فإنّ الصمت الذي سيطر على تنظيم "الدولة الإسلامية" يثير حوله الكثير من علامات الإستفهام، لكنها توضح أنّ من يتولى قيادة المعارك حالياً هم من المقربين من "النصرة" و"كتائب عبدالله عزام"، لا سيما كل من المطلوبين شادي المولوي وأسامة منصور والشيخ خالد حبلص.

وتوضح هذه المصادر، في حديث لـ"النشرة"، أن الخلفية الأساسية لمعركة طرابلس هي منطقة القلمون السورية، بالإضافة إلى ريفي حمص ودمشق، حيث هناك القوة الأساس لجبهة "النصرة"، بزعامة أميرها هناك أبو مالك التلي، في حين يبقى نفوذ "داعش" محدوداً لا يستطيع القيام بمعركة كبيرة من دون غطاء واسع.

وفي حين تشير المعلومات إلى أن الإرهابي ميقاتي كان يخطط للقيام بعمل إرهابي كبير لصالح "داعش" بعد نحو شهر في منطقة الشمال، توكد مصادر إسلامية أن "النصرة" لم تكن تريد المعركة الآن، على الرغم من أن أهدافها حاضرة، وهي تفضل عدم الإصطدام مع الجيش بسبب غياب البيئة الحاضنة الداعمة لذلك، وترى أنه كان من الأفضل الإنتظار بعض الوقت من أجل تجهيز الأرضية المناسبة لذلك.

وتؤكد المصادر الإسلامية، عبر "النشرة"، أن المعركة الأخيرة حصلت، من دون أن يكون هناك تعاطف كبير مع المسلحين من قبل فئات شعبية واسعة، وتشير إلى أن "النصرة" إنطلاقاً من ذلك تعتبر أن عدوها الأساس في هذه المرحلة هو "حزب الله"، وترى أن المطلوب توجيه ضربات أمنية تستهدف معاقله ومراكزه، وهو الأمر الذي كان قد دعا إليه القيادي في "كتائب عبدالله عزام" سراج الدين زريقات في السابق.

وتلفت المصادر نفسها إلى أن القيادي السابق في "النصرة"، أبو ماريا القحطاني، كان يؤكد خلال المواجهات أن على "المجاهدين" في لبنان عدم الإستعجال وإدخال سنة لبنان في معركة لا يتبنّوها، ويشير إلى أن "الجهاد دون حشد أهل السنة وتأييدهم له لن يفي بالغاية"، وترى أن هذا أكبر دليل على أن هؤلاء المسلحين لا يحظون بالحاضنة التي تؤهلهم خوض معركة من هذا النوع مع المؤسسة العسكرية.

من جانبها، تعود المصادر المتابعة إلى التأكيد على ضرورة مراقبة الأوضاع في منطقة الشمال بشكل دقيق في المرحلة المقبلة، وترى أن لدى الجيش الآن الفرصة لفرض الأمن بشكل صارم، لا سيما بعد أن أدركت جميع الفاعليات السياسية والدينية أن لا أفق لمشاريع التنظيمات الإرهابية، وتشير إلى أن الحاضنة الشعبية لم تكن متوفرة في السابق بل كان الغطاء السياسي يمنع التعامل مع المسلحين بالشكل المطلوب، وعندما رفع هذا الغطاء تمكنت المؤسسة العسكرية من فرض سيطرتها على الواقع بسرعة كبيرة.

وتشدد على أن مشروع الجماعات الإرهابية لم ينته بعد، ومن تحرك منهم، بعد كشف أمر ميقاتي، كان معروفاً لدى الأجهزة الأمنية منذ أشهر، وبالتالي هناك الكثير من الخلايا التي لم تتحرك في هذه الجولة، وتشير إلى أن على جميع القوى أن تدرك أنها في مواجهة عسكرية وأمنية كبيرة على كافة المستويات، وبالتالي المطلوب التضامن والتعاون مع الأجهزة الأمنية من أجل الإنتصار فيها.