هي حرب نفسية تخوضها الجماعات الارهابية على اللبنانيين، حرب لا ضوابط أخلاقية لها وفعاليتها أشدّ من القتل. فمنذ أن تمّ خطف العسكريين اللبنانيين في عرسال منذ ثلاثة أشهر، أتقنت جبهة "النصرة" فنّ استعمال العسكريين الموجودين لديها بهدف السيطرة على ذويهم ونجحت بذلك، فبدأت عملية قطع الطرقات، ومع تطور الأمور تطورت الحرب النفسية وازدادت حدّتها، فكان ما شاهدناه من حالات إغماءٍ لأفراد من عوائل العسكريين مباشرة على الهواء.

يكشف مصدر متابع لقضية العسكريين المخطوفين أنّ الجماعات الخاطفة تهدف من هذا الملف لافتعال شرخ بين الدولة اللبنانية والمؤسسة العسكرية من جهة واللبنانيين من جهة أخرى، أي أنّ الهدف الأساس ليس المقايضة بسجناء من رومية إنما "تقليب" الرأي العام على الحكومة وتظهير الأخيرة على أنها عاجزة عن استرداد عسكرييها أو بالاحرى غير قادرة على التحرك بسبب الآراء المتعددة لاطيافها، مع ما يعنيه هذا الأمر من "تخويف" لافراد الجيش وذويهم. ويضيف المصدر: "بداية الأمر أبلغ الخاطفون الأهالي بأنّ الحكومة لم تتحرك بعد بسبب مواقف حزب الله وحلفائه الرافضين لمبدأ التفاوض، في محاولة منهم للضغط على الحزب وإثارة الرأي العام ضده، فبدأت حملة اعلامية عندها بوجه حزب الله لم يكن أبطالها أهالي العسكريين وحسب بل ساهم فيها سياسيون جاهزون دائمًا لإشعال محركاتهم متى كان الهدف التصويب على الحزب"، ويشير المصدر إلى أنّ الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله خصّص قسمًا كبيرًا من اطلالة اعلامية له لأجل تصويب المسار وتوضيح هذه المسألة، فتمّ الانتقال بعدها للهدف الثاني، وهو قطع الطرقات الاساسية التي تربط البقاع ببيروت.

ويضيف المصدر: "استعمل الخاطفون الرسائل النصيّة كوسيلة لإبلاغ أهالي العسكريين بالخطوات التصعيدية، والحجّة دائمًا كانت الضغط على الحكومة (التي لا تتحرك لأجل أبنائهم كما يقولون)، وهذا الأمر استدعى هذه المرة تدخل الوزراء وعلى رأسهم وزير الصحة وائل أبو فاعور الذي زار مرارًا وتكرارًا "معسكر" الاهالي وأبلغهم بعدم جدوى إقفال الطرقات، وبأنّ الحكومة تقوم بما عليها في هذا الملف الشائك، إضافة إلى اللقاءات الكثيرة التي عقدت بين الاهالي ورئيس الحكومة تمام سلام او اللواء محمد خير".

أما اليوم، فالحرب النفسية أصبحت في أشدّها، والتهديد بإعدام العسكري ​علي البزال​ لم يكن وليد الصدفة، بل هو استكمال لمخطط ضرب المجتمع اللبناني والضغط على الاهالي تطبيقا لمبدأ "ان الانسان اذا حشرته في زاوية ولم يعد لديه ما يخسره قد يقوم بأي شيء"، وهم يعوّلون على هذا الامر لاشعال الفتنة. التهديد الاول كان بإعدام البزال عند الساعة العاشرة من صباح الاحد فثارت ثائرة الاهالي وهذا أبسط الامور، وفقد والد البزال وعيه على مرأى من اللبنانيين المتسمّرين أمام الشاشات يتابعون مستجدّات الوضع الامني في طرابلس. وهنا يشير المصدر إلى أنّ "​جبهة النصرة​" أرادت زيادة الضغط على الحكومة والاهالي والجيش لمحاولة كسره وتخفيف الضغط عن ارهابيي طرابلس.

انتهت المحاولة الاولى عند اعلان "النصرة" تأجيل تنفيذ الاعدام، واستمر الجيش بعمليته فكان لا بدّ من محاولة ثانية فأتى البيان الثاني بلهجة أشدّ، وحمل معه تهديدًا بإعدام البزال في الخامسة من فجر الاثنين، وإدخال اسم العسكري المخطوف جورج الخوري باللعبة النفسيّة، وهنا لا داعي للحديث عن الهدف، فهو واضحٌ لا لبس فيه. وفي هذا السياق، تشير المصادر إلى أنّ الارهابيين يحاولون بكلّ الوسائل تحقيق انتصاراتٍ "نفسية" على اللبنانيين وهم نجحوا في ذلك بكثير من الاحيان، ولكن هنا يجب أن يعلم الجميع أنّ التفاوض مع هؤلاء ليس أمرًا سهلا لأن اهدافهم تتخطى التفاوض والمقايضة، كاشفة أنّ أسابيع من التفاوض غير المباشر لم تحمل معها أيّ مطالب جدية من الخاطفين كي يتمّ التفاوض بشأنها، وهذا الأمر لا تتحمّل مسؤوليته الحكومة التي تقوم بكلّ ما بوسعها إلى جانب كلّ المشاركين في هذا الملف وعلى رأسهم مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم، بل الخاطفون أنفسهم الذين يحاولون استثمار هذا الملف حتى النهاية وبكل الطرق الممكنة.

لم يكن عاديًا مشهد فقدان بعض أهالي العسكريين الوعي في ساحة رياض الصلح مساء الاحد، ولم تمر مرور الكرام كلمات "الرجاء" رغم أنّ من تُوجه اليهم هذه الكلمات ليسوا ببشر ليفهموا معنى الحديث، ولكن هل يجوز أن يتمّ نقل ما جرى مع الاهالي على الهواء مباشرة؟ هل يجوز أن يستمتع الخاطفون بما يرونه من دموع وتوسل وانهيارات نفسية؟ نحن نعيش حربًا ضخمة ضد الارهاب وهي بقسم منها نفسية، وللاسف فإن الارهابيين حققوا حتى الساعة انتصارات هامة، وللأسف أكثر فإنّ بعض الاعلام يساهم بانتصاراتهم من حيث يدري أو لا يدري.