في العدد 322 من "الثبات" تاريخ 20 آب الماضي، أكدنا ما نُقل على لسان دبلوماسي غربي عن خطة شيطانية لاستهداف سورية ولبنان، كانت قد بدأت بعد هزيمة الإرهابيين في منطقة كسب، لتكون بعدها بأسابيع معركة عرسال، ليُخلص فيها إلى أن الهدف الأساسي للإرهابيين كان خطيراً، وهو الامتداد من القلمون إلى البقاع الشمالي إلى عكار إلى البحر، وبالتالي توفير منفذ بحري لهم يمتدون منه نحو دول حوض المتوسط، بما فيها الدول الغربية، التي أحسّت لحظة ئذ بالخطر الشديد.

وبالرغم من أن معركة عرسال وجرودها لم تحسم بعد بشكل نهائي القضاء على الإرهابيين لعدة أسباب، منها أن نوعاً من الخديعة تعرّض لها الجيش اللبناني بسبب الميوعة السياسية لمجلس الوزراء أمام التطورات العرسالية، وميوعة وساطة بعض المشايخ، خصوصاً من "هيئة العلماء المسلمين" وأبو طاقية، الذين وفّروا الغطاء لانسحاب أو لتراجع مسلحي "جبهة النصرة" و"داعش" إلى مخابئهم، لكن يمكن التأكيد أن هذا المشروع تلقّى ضربة في الصميم وإن لم تكن قاتلة، في ظل إحكام الجيش اللبناني الطوق حول عرسال وعزلها عن جرودها، وإحباط رجال المقاومة لمحاولة غزوة جرود بريتال.

اللافت في مجرى هذه التطورات كان تأكيد قائد الجيش العماد جان قهوجي في مقابلة مع جريدة "لوفيغارو" الفرنسية، ما أكدنا عليه بشأن المنفذ البحري للإرهابيين.

الآمال بالمنفذ البحري لم تُلغ من مخطط المجموعات الإرهابية، التي بينت المعلومات الاستخباراتية أن هناك من يعمل لها في الشمال اللبناني، وأن خلايا نائمة بدأت تتحرك لإعلان "إمارة" داعشية، مترافقة مع اعتداءات متكررة على الجيش اللبناني في أكثر من منطقة شمالية، فكانت الضربة الاستباقية للجيش اللبناني في عاصون، التي كشفت الكثير من الوقائع المذهلة، ومنها اعتراف الإرهابي أحمد ميقاتي، أنهم كانوا يسعون إلى احتلال عدة قرى شمالية، تمهيداً لإعلانها منطقة آمنة، ورفع رايات "داعش" فوقها، ومبايعة أبو بكر البغدادي، ما سيجعلها ملاذاً آمناً لكل أجناس الإرهابيين، ولكل من يريد أن ينشق عن الجيش اللبناني.

ومن أهدافها أيضاً، تنفيذ أعمال أمنية خطيرة في طرابلس ومحيطها، والمنية - الضنية وعكار، لتبدأ بعدها مرحلة ما أطلق عليه "المخطط الأكبر"، أي ربط وسط القلمون السوري بالساحل اللبناني.

وتبيّن أن شادي المولوي وأسامة منصور على علم بذلك المخطط، الذي كان يفترض أن يبدأ تنفيذه بعد نحو شهر من إعلان المنطقة الآمنة.

وهنا يطرح سؤال حول الوساطة التي قام بها بعض وزراء ونواب الشمال "المستقبليين" و"هيئة علماء المسلمين" مع المولوي ومنصور قبل أيام من تطورات طرابلس والمنية، وأفضت حسب ما ذُكر إلى انسحاب المولوي ومنصور من مسجد عبدالله بن مسعود في طرابلس، ومغادرتهما باب التبانة، حيث تبيّن أن لا شيء من ذلك قد حصل.

وفي الوقائع الميدانية، فقد تبين أن هناك تنسيقاً قوياً بين الجماعات الإرهابية في لبنان وسورية، حتى أن القرار في المعركة يُتخذ من قبَل غرفة عمليات واحدة.

وكما تؤكد مصادر شمالية على متابعة دقيقة للتطورات الأمنية، فإن هذه الغرفة ليست جديدة، وهي قامت بعد أشهر من اندلاع الأزمة السورية، لافتة إلى أنه في الماضي كانت الاشتباكات تحصل في طرابلس على وقع المعارك في سورية، بحيث كان يوضع جبل محسن مقابل أي منطقة سورية ينتزعها الجيش السوري من الإرهابيين، وكان يشارك في هذه المعادلة سياسيون من قوى 14 آذار ورجال دين، وأمام هذه التطورات لم يعد يُجدي إخفاء الروس في الرمال، فأمام إنجازات الجيش اللبناني، وتكامل التنسيق بين الإرهابيين في سورية ولبنان، صار هناك ضرورة للتنسيق بين جيشي سورية ولبنان، وهو أمر لا مفرّ منه، وربما يكون قد بدأ فعلاً.

وفي هذا الصدد، فإن الخبراء العسكريين والميدانيين يرون أنه في ظل الضربة النوعية التي وجّهها الجيش اللبناني للإرهابيين في الشمال، وفي ظل الهزائم المتلاحقة لهم في الميدان السوري، فإن هناك خطط يضعها كل حلف أعداء دمشق لاستنزاف الدولة الوطنية السورية على الحدود الشمالية والجنوبية والشرقية، فإذا كان الإرهابيون قد تلقوا ضربة فكاد تكون حاسمة على الحدود الشرقية، فإن واشنطن وأنقرة والناتو وأعراب الخليج يسعون لشرطيْن في مواجهة الجيش السوري والدولة الوطنية السورية.

في الشمال: شريط لـ"داعش" تدعمه تركيا، من أجل "إمارة" تستطيع تركيا من خلالها ممارسة عدوانها على سورية، وفي الجنوب يتم إنشاء شريط لـ"جبهة النصرة" وغيرها من الفصائل السعودية الإرهابية، وبقايا تنظيمات مسلحة كـ"الجيش الحر"، توفّر لهم تل أبيب وعمّان كل أشكال الدعم العسكري واللوجستي، ويوفّر الخليج لهم كل أشكال الإمداد المالي..

لكن هل سينجح هذا الوهم؟ توقعوا قريباً تطورات كبرى في تركيا، ستجعل مصير أردوغان - أوغلو تماماً كمصير مندريس - بايار؛ واحد إلى المقصلة وآخر إلى السجن.