بعد ساعاتٍ على المواجهات التي خاضها ​الجيش اللبناني​ في وجه المجموعات الارهابية في ​طرابلس​ وسقط فيها نحو 11 شهيداً للجيش بين ضابط وجندي، إضافة إلى عددٍ من المدنيين، دخل الجيش الأحياء الداخلية لهذه المدينة الشمالية.

ولكن، بعد جلاء غبار المعارك، لاحظ الكثيرون أنّ ثمة "قطبة مخفية" لاحت بوادرها في الأفق، سمّاها البعض "تسوية"، وهو ما رفضه الجيش وقيادته بشكل قاطع، وسمّاها البعض الآخر "غطاء" دينياً وسياسياً وهو ما تمثل في رفض مسؤولين في الطائفة السنيّة ما أقدم عليه أعضاء المجموعات الارهابية...

لكن هذه القطبة بقيت تطلّ برأسها، وأثارت العديد من الأسئلة لدى المواطنين أبرزها:

- لماذا دائماً يُكتب على الجيش اللبناني أن يكون "مكسر عصا" فـ"يُستنزف" عسكريوه بكمائن وإطلاق نار بشكل عشوائي ليسقط الشهداء، ولكن ما ان يقرر الرد بشكل صارم على هذه الافعال الارهابية المجرمة، حتى يظهر المصلحون وتبدأ سياسة "تبويس اللحى"، وتثار قضايا المدنيين الابرياء، ويطلق كلام عن وجوب عدم استعمال "العنف المفرط"؟

وهنا السؤال: هل المطلوب أن يسكت الجيش على الاعتداءات التي تطاله، أو يتراجع عن قراراته حتى لا يشبَّه من قبل بعض الموتورين الوصوليين، بالجيش الاسرائيلي؟ ولا شكّ أنّ عبارة "العنف المفرط" التي أُلصقت بعملية الجيش في طرابلس استفزّت الكثيرين، كونها استعملت في حق الجيش الاسرائيلي خلال عدوانه على لبنان والفلسطينيين، فلماذا تكرار هذا السيناريو دائماً؟

- كيف يتسنى دائماً لمسؤولي المجموعات الارهابية الفرار والاختفاء عن الأنظار بشكل "سحري" فيما يجب أن يكونوا إما قتلى (خلال المواجهات) أو في السجون ينتظرون حُكم ربهم في يوم من الايام؟ هل بات علينا انتظار لقاء مرتقب بين شاكر العبسي وأحمد الاسير وشادي المولوي وأسامة منصور وخالد حبلص... لتتضافر جهودهم ويعودوا إلى الساحة التي أخرجهم منها الجيش بدماء شهدائه؟

ومع ثقتنا بالجيش الذي أكد عدم حصول تسوية أو غيرها، فإنّ السؤال الأهم يبقى: هل سيتمتع هؤلاء بدعم مالي مستقبلاً وبحيثية معيّنة تعيدهم إلى إجرامهم وسط بيئة حاضنة لهم؟

- ما علاقة الدول الاقليمية والدولية في مواجهات طرابلس، وهل سهّلت بالفعل ترك الأمر للجيش اللبناني ليتصرف وفق ما يريد؟ من المهم في هذا السياق التذكير بأهمية ما أعلنه الجيش عما حصل عليه من معلومات حول خطة لتحويل طرابلس إلى إمارة واستعمال مرفأها لاغراض ارهابية. فالجيش، بهذه الخطوة، وضع الجميع أمام أمر واقع: إما دعم الجيش في المواجهة مع الارهابيين، وإما تحمّل مسؤولية ما ستسفر عنه هذه الخطوة الارهابية من تداعيات ستعاني من تبعاتها دول المنطقة بكاملها.

من هنا، يمكن فهم الصمت الذي ساد خلال مواجهة الجيش للارهابيين، وعدم اللعب على وتيرة المذهبية، وعدم توفير بيئة داعمة لما يقوم به الارهابيون في طرابلس، وتبرُّؤ الغالبية منهم. هذا الأمر لا يمكن أن يحصل من تلقاء نفسه، ويجب النظر الى "القطبة المخفية" في أحاديث المسؤولين الاقليميين والدوليين مع الزعماء اللبنانيين (يتردد أنّ مسؤولين دوليين أعطوا الضوء الاخضر لتنسيق استخباراتي بارز مع الجيش في مواجهات طرابلس).

- لماذا تبدو الحاجة ضرورية في كلّ مرة يخوض فيها الجيش مواجهات مع الارهابيين، إلى إعطاء الموضوع صبغة "رئاسية" بحيث تنحدر أسهم قائد الجيش العماد جان قهوجي حيناً (مواجهات عرسال)، وترتفع حيناً آخر (مواجهات طرابلس)، وكأنّ قرار الانتخاب محليّ وينتظر فقط "رضى" النواب على شخص العماد قهوجي او غيره؟

من المنطقي اعتبار البعض أنّ حصول أزمة عسكرية مهمة، من شأنه التسريع في عملية انتخاب رئيس، ولكن من المهم أيضاً التنبه إلى أنّ المعطيات الاقليمية والدولية لا توحي بتغييرات على الصعيد السياسي، قادرة على "فرض" رغبة انتخاب رئيس للجمهورية في وقت قريب. كما أنّ طبخة التمديد باتت على نار حامية، وحصلت على "تعاطف" الجميع، بما يعني أنّ الانتحابات الرئاسية ليست أولوية في الوقت الراهن.

- لم تكد العملية العسكرية في طرابلس تلفظ أنفاسها، حتى صدرت المواقف المندّدة بمواقف "حزب الله" السياسية والعسكرية، وكأنّ في الأمر تعمّد تحويل الانظار والعودة إلى المساجلات السياسية الداخلية.

واللافت أنّ الطرفين المعنيين ساهما في تصعيد التوتر في هذا الموضوع، في حين لا يزال الجيش يقوم بمداهمات وعمليات تمشيط، كما أنه يشتبك مع مجموعات مسلحة في صيدا وغيرها من المناطق.

فهل هكذا نؤازر الجيش؟ وما الهدف من هذا التصعيد الذي يعلم الجميع أنه لن يستمر وسينتهي بلقاء أو مصارحة؟

في الخاتمة، يبدو أنّ يداً ما تركت بصمات أصابع أصحابها على الاحداث التي شهدتها طرابلس والتداعيات التي أسفرت عنها. وكلّ المطلوب أن يتمّ توضيح بعض النقاط والاجابة على بعض الاسئلة التي تقلق المواطنين، وإلا سيبقى الحديث قائماً عن "القطبة المخفية".