مرة جديدة يوجّه الرئيس نبيه بري دعوة الى النواب تحمل «الرقم 14» لانتخاب رئيس للجمهورية، ومرّة جديدة يسقط «الرقم 14» في الفراغ الرئاسي، مع ما يرمز إليه هذا الرقم.

وكل دعوة إنتخابية على هذا النحو يوجهها رئيس المجلس بهدف رفع العتب الدستوري، فإنها تحمل معها رسالة تأنيب الى النواب، وعقوبة أدبية وقانونية ودستورية.

ومع تكرار الدعوات والتبليغات والتأنيبات:

يظلّ المقعد الماروني الأول شاغراً...

ويظل البيت الدستوري «الماروني» الأول مهجوراً...

وتظل الدعوات الإنتخابية تبلّغ لصقاً على مدخل القصر المهجور...

وتظل الشخصية المارونية هي المدّعي والمدَّعى عليه الأول في آن معاً...

•••

يكفي الجمهورية تعزية، أَنها تملك قصرين رئاسيين: أحدهما تاريخي والآخر يسعى وراء التاريخ. الأول مَنَّ الله عليه «بأخوت شانيه» في إيصال الماء إليه، والثاني لا يزال يفتش عن «أخوت» لإرواء غليله من العطش.

وإن كان قصر بيت الدين تتصّدره صورة الأمير بشير الثاني بلِحْيَته المهيبة وعقدة حاجبيه، فإنّ قصر بعبدا لا يزال محروماً من صورة صاحب الصورة، ومن الوجه الذي يحمل لحية مهيبة فوق ذقن.

•••

للمناسبة، أعجبتني جداً الآلية العربية الناشطة لاختراق التصلب الرئاسي، والتي تقلب المعادلة المارونية بين من هو رأس وما هو عقب، وفيها أنّ كل مرجعية محلية وإقليمية فاعلة تطلب من حلفائها المرشحين الموارنة عدم المضيّ في تعكير الآفاق أمام الإستحقاق، والتنسيق مع غبطة البطريرك الماروني.

هذا... بدل أن يكون البطريرك الماروني هو الذي يطلب من «حلفائه» الموارنة المرشحين، لا أن يتلقى التبليغات من المرجعيات، وهذه «الجبنة» حسب المثل الإنكليزي هي التي تفضح اللبن.

وأعجبني في المقابل إستدعاء بعض الفاعليات ال​لبنان​ية الى بلاد العرب بهدف معالجة الهموم اللبنانية والرئاسية، ونحن نعرف أن العرب تكاد تحرقهم آبار البترول، وأنهم باتوا عاجزين عن استخدام العلاج العربي الذي هو «آخر الدواء الكيْ»، وأن أقصى طاقاتهم اليوم، هو القيام بعملية جسّ النبض، وأخذ معدّل الحرارة ووضع قطع الثلج على الرأس المحموم.

نخشى أن يكون آخر علاج الإستحقاق الرئاسي، هو رفْعُ أعلام الأحزاب المارونية منكّسة فوق القصر، وأن تُصْبَغ جدرانه وأبوابه المقفلة باللون البرتقالي، على غرار اللون الأبيض الرمزي الذي استخدمه الأميركيون للبيت الأبيض في واشنطن بعدما أحرقه الإنكليز.