بات تمديد ولاية المجلس النيابي أمراً واقعاً لا محالة، ولم يعد هناك من يظنّ أنّ الإنتخابات ستجري في موعدها، مع العلم أنّ هذه النهاية كانت متوقعة منذ أشهر، إلا أنّ البعض رفض الإقرار بها من باب المزايدات السياسية التي لا تغيِّر بالواقع شيئًا.

كان جلياً أنّ القوى الإسلامية، على ضفتي 8 و14 آذار، تشجّع الوصول إلى هذا "الحل"، فهي تدرك أنّ حصول الإنتخابات أوعدمها، لن يبدّل من موازين القوى القائمة بفضل القانون الحالي، في حين كانت الأحزاب المسيحية تؤكد رفضها ​التمديد​ بشكل مطلق، باستثناء تيار "المردة"، الذي أعلن في اكثر من مناسبة أنه لا يمانع ذلك.

وفي الوقت الذي كان فيه الجميع يتهرّب من إعلان تبنيه لهذا الخيار المر، أخذ رئيس الحكومة السابق سعد الحريري على عاتقه الترويج له تحت عنوان "الإنتخابات الرئاسية أولوية"، وهدد بمقاطعة تيار "المستقبل" الإنتخابات النيابية بحال حصولها، ما دفع رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى التعديل في موقفه، تحت عنوان "الميثاقية".

إنطلاقاً من ذلك، باتت الأمور لدى القوى المسيحية متباينة، "المردة" لا يمانع التمديد، في حين أنّ حزبي "​القوات اللبنانية​" و"الكتائب" و"التيار الوطني الحر" أعلنوا رفضهم له، إلا انه لم يكن باستطاعتهم إستخدام "ورقة المقاطعة" لضرب "ميثاقية" جلسة التمديد.

يؤكد عضو تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ​حكمت ديب​ رفض التكتل للتمديد بأي شكل من الأشكال من حيث المبدأ، ويوافقه على ذلك كل من عضو كتلة "القوات اللبنانية" النائب ​فادي كرم​ وعضو كتلة "الكتائب" النائب ​فادي الهبر​، لكن سرعان ما يتباعد النواب الثلاثة بسبب مواقفهم السياسية المتناقضة.

يشير النائب ديب، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن التكتل ينتظر الإطلاع على جدول أعمال الجلسة لأخذ القرار بالمشاركة من عدمه، وبعد ذلك سيحدد الخطوات العملية، لكنه يحسم الموقف برفض التمديد.

من جانبه، يوضح النائب كرم، في حديث لـ"النشرة"، أن المشاركة في الجلسة أكيدة، "فنحن لا نقاطع الجلسات ونرفض منطق التعطيل"، أما عن موقفهم من مشروع التمديد فيؤكد أن القرار هو بعدم التصويت.

ويشير كرم إلى أن الهاجس الأساسي لـ"القوات" هو الفراغ، وعلى الرغم من الإلتزام بخيار عدم التصويت، يلفت إلى أنّ الأمور باتت اليوم بين خيارين: التمديد أو الفراغ، ويضيف: "في هذه الحال يكون التمديد هو الخيار الأفضل كي لا نصل إلى مرحلة الإنهيار في كافة المؤسسات".

بدوره، يجزم النائب الهبر، في حديث لـ"النشرة"، بأنّ "الكتائب" ستشارك في الجلسة التشريعية، رغم موقفها المبدئي المعارض للتمديد، ويقول: "نحن مع الديمقراطية وتداول السلطة، وهذا أمر معروف عن حزبنا"، لكن سرعان ما يشير إلى أنّ الأولوية اليوم هي لإنتخاب رئيس للجمهورية، ويلفت إلى أنّ القرار الحاسم في كيفية التعامل مع الجلسة سيتخذ يوم الإثنين المقبل من قبل المكتب السياسي.

إذا، على الرغم من موقفها "المبدئي"، لن تتمكن القوى المسيحية من قطع الطريق على مشروع قانون التمديد، الذي سيصبح نافذاً بعد التصويت عليه من قبل نواب الأمة المُمَدَّد لهم أصلاً.

هنا، لا يرى النائب ديب أنه كان من الممكن الرهان على موقف مسيحي موحّد يضرب "ميثاقية" الجلسة، فباقي الأفرقاء من وجهة نظره غير ثابتين في مواقفهم، ويعتبر أن تجربة قانون اللقاء الأرثوذكسي الإنتخابي أكبر دليل على ذلك، إلا أنه يعود ليختم بالقول: "لننتظر ونرَ".

أما النائب الهبر، فيؤكد أنه يفترض سؤال القيادات عن هذا الأمر، لكنه يعرب عن مخاوفه من الذهاب إلى الفراغ الذي يؤدي إلى تفتت السلطة على المستوى الدستوري، لا بل هو يتخوف من الذهاب إلى كوارث أكبر في المرحلة المقبلة، ويضيف: "نحاول أن نحمي الكيان بشكل أو بآخر".

من جهتها، تبدو "القوات اللبنانية"، الأكثر إرتياحاً على هذا الصعيد، فيرى النائب كرم أنه كان من واجب القوى المسيحية في الحكومة منع الوصول إلى هذه المرحلة عبر الإصرار على دعوة الهيئات الناخبة وتشكيل هيئة الإشراف كي تحصل إنتخابات لا غبار عليها، ويعرب عن أسفه لعدم قيامها بذلك، وبأن التمديد أصبح الخيار الأفضل.

وفي ظلّ مسرحيّة التمديد الثانية، كشفت مصادر لـ"النشرة" الاخراج للقوى المسيحية الرافضة علنًا والموافقة ضمنًا عليه، إذ سيحضر بعض نواب تكّتل "التغيير والاصلاح" الجلسة لكنّهم سيمتنعون عن الاقتراع، في حين سيتقاسم نواب كتلتي "القوات" و"الكتائب" تمثيليّة مشابهة أيضًا تقيهم غضب جمهورهم.

في المحصلة، أيام قليلة تفصل اللبنانيين عن تمديد ولاية "ممثليهم" في المجلس النيابي، ولم يعد هناك من أمل بالخروج من هذا النفق المظلم، حتى القوى المعارضة لهذا التوجه تجد اليوم نفسها في موقع "لا حول ولا قوة".