مما لا شكّ فيه أنّ معركة ​طرابلس​ الأخيرة، وبالطريقة التي انتهت بها، أثارت حفيظة شريحة من الرأي العام اللبناني، شريحة تعتبر أنّ الجيش أبرم تسوية سياسية على حساب دماء شهدائه، تاركاً أبرز المطلوبين ​شادي المولوي​ و​أسامة منصور​ و​خالد حبلص​ يتوارون عن الأنظار بدلاً من أن يلقي القبض عليهم. لم ترحم هذه الشريحة من الرأي العام مؤسسة الجيش خصوصاً عبر وسائل التواصل الإجتماعي، تارةً إنطلاقاً من خلفية التصويب على قيادته وإتهامها بالخلط بين العمل العسكري والسياسة، وتارةً أخرى إنطلاقاً من حماسة البعض ودعمه الكامل للجيش، دعم لا تأتي الإنجازات أحياناً بحجم طموحات أصحابه، فيأتي الإنتقاد.

يتفهم أحد كبار الضباط هذه الإنتقادات خصوصاً أنّ غالبيتها صادرة عن حسن نية ودعم وثقة بالمؤسسة العسكرية. أما بالنسبة الى تلك التي تصوّب على الجيش لغايات سياسية، فيتوقف الضابط عندها، ويقول "على أصحاب هذه الإنتقادات ألا يغيب عن ذاكرتهم أن هذه المؤسسة يجب أن تستمر، بالأمس توالى على قيادتها كثيرون وغداً سيأتي من يخلف العماد جان قهوجي، فإذا كانت هناك إنتقادات على سلوك القيادة الحالية، فلا يجب أن يدفع هذا الإنتقاد أصحابه الى المشاركة بمشروع تهشيم الجيش وشرذمته إضافة الى ضرب هيبته". وفي سياق حديثه، يذّكر الضابط المذكور المنتقدين بأنّ الجيش الذي يسارع هؤلاء لمناشدته عند بداية كل معركة بشعارات منها "أطلق نيرانك لا ترحم"، يتلقى أوامره من السلطة السياسية، فهو لا يملك قرار الحرب والسلم منفرداً، بل ينفذ قراراً يصدر عن السلطة التي تشكل مرجعيته، وفي حال خالف هذا القرار، يصبح متمرداً ويعدّ ذلك في خانة الإنقلاب، وبالتالي يرى الضابط أن إنتقادات البعض يجب إن توجه دائماً الى السلطة السياسية.

توقيف المطلوبين أمر مهم في المفهوم العسكري لكن الأهم يبقى ضرب مخططاتهم الإرهابية وتعطيلها. من هذه المعادلة، ينطلق أحد كبار الضباط في مقاربته للإنتقادات التي جاءت على خلفية عدم توقيف المولوي ومنصور وحبلص، ويسأل "من دون أن يفهم من كلامي أن الثلاثي الإرهابي لم يعد مطلوباً، ألم يشعر المنتقدون بأنّ مخطط هؤلاء إقتلع من جذوره عندما تمّ توقيف خلية أحمد ميقاتي في عاصون، وضرب مربع المولوي-منصور في باب التبانة وكذلك الشيخ حبلص في بحنين؟ ألم يفهم المنتقدون أنّ هذه الخلايا كانت تعمل بالتنسيق الكامل فيما بينها لربط طرابلس بالمنية وجرود الضنية فجرود عرسال، تمهيداً لإعلان الإمارة التي تنادي بها؟"

وفيما يؤكد الضابط أنّ هذا المشروع تعطل راهناً بعد ضرب هذه الخلايا، لا ينفي وجود تدخلاتٍ سياسية تعيق العمليات العسكرية أحياناً، وتمنع إنجاز الخطط الموضوعة بكاملها، غير أنّ هذه التدخلات وتداعياتها، لا تعني أبداً فشل العملية العسكرية. من هنا يأتي الرد العسكري على مقولة "في طرابلس فر المولوي ومنصور وفي المنية فر حبلص، في عبرا فر أحمد الأسير وفضل شاكر وفي نهر البارد فر شاكر العبسي"، سائلاً "ما الذي بقي من مشروع العبسي وأين تنظيم فتح الإسلام اليوم؟ أين نشاط أحمد الأسير وخطره على المجتمع الصيداوي، وأين مربعه الأمني في عبرا؟ ألا تعيش صيدا بسلام منذ ضرب مربع عبرا؟"

إذاً القضية في المشروع أكثر مما هي في الأشخاص، وللمعلومات، قد يكون هناك في باب التبانة من هو أخطر من المولوي ومنصور، والدليل على ذلك، الموقوف أحمد ميقاتي، أحد أبرز قياديي تنظيم "داعش" في الشمال. وإذا منعت التدخلات السياسية القاء القبض على المطلوبين الأساسيين في طرابلس، كما يقول المنتقدون، فهذا لا يعني أبداً ألا يأتي ظرف سياسي آخر يسمح بتوقيفهم أو قتلهم خلال مطاردتهم، والتجارب على هذا الصعيد لا تعد ولا تحصى.