لم يكن مصادفة تحديد رئيس مجلس النواب نبيه بري 19 تشرين الثاني الجاري موعداً للجلسة النيابية الـ15 لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وإنما كان وليد إصرار لديه على إنجاز هذا الاستحقاق الدستوري ولَو في ربع الساعة الاخير من انتهاء الولاية النيابية في اليوم التالي لهذه الجلسة.

والواقع أنّ بري في تحديده موعد هذه الجلسة الانتخابية الرئاسية، انما أراد أن يستدرك احتمال فشل المجلس سواء في إقرار اقتراح قانون تمديد المهل في قانون الانتخابات النيابية الذي يتيح تمديداً تقنياً للمجلس بغية تمكين الادارة المختصة من إنجاز كل المستلزمات اللوجستية للعملية الانتخابية، أو في إقرار اقتراح القانون الرامي الى تمديد الولاية النيابية حتى 20 حزيران 2017 بحيث يكتمل مسلسل التمديد الذي بدأ في 20 حزيران 2013 ليشمل الولاية بكاملها والبالغة 4 سنوات.

فمشهد المواقف الماثِل الآن في ظل التحضير للجلسة التشريعية المقررة الاربعاء المقبل لدرس الاقتراحين القانونيّين المتعلقين بقانون الانتخاب والتمديد، يبدو ضبابياً لأنّ المواقف المعلنة تؤكد معارضة غالبية القوى السياسية المسيحية الاساسية التمديد للمجلس، وهي: «التيار الوطني الحر» وحزبَي «القوات ال​لبنان​ية» و«الكتائب»، في وقت تفرّد رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية بموقف يؤيّد هذا التمديد، ويُلاقيه في هذا الموقف جميع النواب المسيحيين الأعضاء في كتَل «المستقبل» و»التنمية والتحرير» و»اللقاء الديموقراطي»... إضافة الى النواب المستقلين.

فنصاب الجلسة «التمديدية «، اذا جاز التعبير، مضمون من حيث العدد الذي يفوق الأكثرية المطلقة، أي 65 نائباً، ولكنّ بري يركّز على الاقرار الميثاقي للتمديد، لا على الاقرار العددي، بمعنى انه يريد للتنوّع الوطني والطائفي والمذهبي، المُمَثّل في مجلس النواب، أن يقرّ هذا التمديد.

ولذلك، فإنّ بري، على رغم تفهّمه موقف رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون الرافض التمديد الآن مثلما رفضه عام 2013، لن يعقد الجلسة، إلّا في حال تصويت أيّ مكوّن مسيحي وازِن آخر يتمتّع بعَصب مؤيّداً التمديد الى جانب تصويت كتلة فرنجية وبقية النواب المسيحيين المؤيدين له. فعلى الاقل ينبغي على كتلة «القوات اللبنانية» أن تصوّت مؤيدة للتمديد الى جانب كتلة فرنجية حتى يصبح إقراره ميثاقياً.

ولذلك، فإنّ المرجّح أن يؤجّل بري جلسة الاربعاء اذا شعر انّ التصويت المسيحي على التمديد سيكون هزيلاً، فالميثاقية التي يلتزمها في عقد الجلسات النيابية لا يراعي فيها فريقاً او طائفة من اللبنانيين من دون الآخرين، وإنما يراعي الجميع على حدّ سواء.

فإذا لم يتوافر التمديد الميثاقي الذي ينشده في جلسة الاربعاء المقبل، فسيكون مجلس النواب أمام احتمال إقرار تمديد تقني لا يتعدى نهاية السنة، أوّلاً لإتاحة فرصة جديدة لانتخاب رئيس جمهورية في حال لم يحصل هذا الانتخاب في «جلسة الحَشر» المقررة في 19 من الجاري حيث سيكون على المجلس حكماً أن ينتخب الرئيس في حال لم يمدّد ولايته قبل هذا التاريخ، وإلّا وقع الفراغ النيابي وحالَ نهائياً دون إنجاز الاستحقاق الرئاسي.

أما اذا حصل الانتخاب فسيجتمع المجلس في اليوم الاخير من ولايته ليمدد لنفسه تقنياً او عادياً، ويعود بعدها الجميع الى البحث في قانون انتخاب جديد تمهيداً لإجراء الانتخابات النيابية على أساسه عندما تسمح ظروف البلاد. ومن المؤكد انّ احداً لا يرغب في حصول فراغ نيابي الى جانب الفراغ الرئاسي، ولذلك سيحصل التمديد تقنياً، وهذا أضعف الايمان، اذا تعذّر إقراره ميثاقياً.

ويقول برّي أمام زوّاره: «بعد إقرار التمديد سأدعو الى المباشرة في مناقشة قانون الانتخاب الجديد، وقد بلغني انّ الاستاذ وليد جنبلاط أيّد الاقتراح الذي كنتُ قد تقدمت به سابقاً وعارضه يومها، وهو القانون المختلط مناصفة بين النظامَين النسبي والاكثري، فنباشر البحث فيه وفي سواه، وسأعاود إحياء اللجنة النيابية الفرعية لهذه الغاية، حتى اذا أنجزناه عَمدنا الى تقصير ولاية المجلس الممددة وإجراء انتخابات نيابية، ولكن يفترض أن يحصل كلّ ذلك بعد انتخاب رئيس للجمهورية».

ويضيف بري: «الميثاقية عندي تتجسّد في مقدمة الدستور، فإذا كان في الإمكان تعديل أيّ مادة من مواده، فلا يمكن تعديل اي فقرة من فقرات مقدمته لأنّ ذلك يحتاج الى استفتاء شعبيّ عام.

لذلك، فإنّ أي تعديل لأيّ مادة في الدستور اذا لم يتطابَق مع مقدمة الدستور، خصوصاً الفقرة «ي» منها، لا يمكن أن يعتبر دستورياً. وهو بالتالي يتناقض مع المقدمة لأنّ هذه المقدمة، هي في نظري، أعلى من الدستور نفسه، ولا يمكن تعديل ايّ فقرة من فقراتها بلا استفتاء شعبي».

ويلفت بري الى أنّ فكرة العيش المشترك وردت في «اتفاق الطائف» مُدوّنة للمرة الاولى، وهي لم تكن كذلك قبل «الطائف». ولذلك، لا يمكن بناء ايّ سلطة تتعارَض مع ميثاق العيش المشترك، وهو ما تجسّده الميثاقية بمعنى عدم غياب ايّ مكوّن اساسي يمثّل العصب الحقيقي عن أيّ قرار او بناء سلطة».