المؤشرات مقبولة. لن يقول أهالي العسكريين المخطوفين إنها ممتازة، فتجربة أعزاز لا تشجّعهم على نفخ بالون تفاؤلهم كثيرًا. ومع ذلك، هم قادرون على إغماض عيونهم على حلم إطلاق أبنائهم لا على كابوس التهديد بذبح أحدهم. فالخاطفون يتجاوبون نسبياً، وكلّ ما يتسرّب من مسار المفاوضات المُحاط بسريّةٍ تامّة يشي بأن خطوات حسن النوايا التي ينتهجها لبنان تجدي نفعاً وإن كان مصير “المقايضة”، بيت القصيد، ما زال غير محسوم.

لا يكفي خروج الأهالي من لقاءٍ دام ساعةً ونصف الساعة في السراي مع رئيس الحكومة تمام سلام للقول إن الحكومة ستتبنى مبدأ المقايضة الذي يتصدّر لائحة مطالب الخاطفين التائهة والمتبدّلة. فماذا يحصل؟

السيناريو التبادلي

المقايضة في ذاتها مفهومًا وترجمةً ما زالت ضائعة بين صلابة موقفٍ حكوميٍّ تعكسه مصادر وزاريةً عبر “صدى البلد” مؤكدةً أن “الحكومة ليست في صدد الدخول في مقايضةٍ مذلّةٍ وهذا الأمر ليس وارداً حتى الساعة”، وبين ليونةٍ أثلجت قلوب الأهالي على ما علمت “البلد” بعدما وصلتهم معلوماتٌ شبه موثوقة عن أن الحكومة ستذهب في نوعٍ من المقايضة من دون أن تتبنّى هذه العبارة لما تنطوي عليه من تنازلاتٍ لا يجوز لدولةٍ أن تقدّمها لجماعاتٍ إرهابية. ومتى تمّ تجاوز التسمية يغدو السيناريو التبادلي على الشكل التالي: أوّل الفصول مبادرة حسن نيّة تمثّلت في وقف “الشوشرات” الإعلامية والأحاديث العلنية عن مفاوضاتٍ وشروطٍ وهو ما التزم به الأفرقاء الحكوميون كما المفاوضون وخير دليل على ذلك التكتّم الشديد الذي يحيط بمسار التفاوض منذ لحظة وصول الوفد القطري الى عرسال وصولاً الى ما أبلِغ به الأهالي من معطيات وما تركوه لأنفسهم كي لا يؤثّر ذلك على مجرى التفاوض. ثاني الفصول، مبادرة حسن نيّة محسوسة تجسّدت في شاحناتٍ محمّلة بالمواد الغذائيّة دخلت عرسال المطوّقة بانتشار أمني. أما ثالث الفصول المنتظر فنوعٌ من مقايضةٍ بمسمّى مختلف أو ربما بلا توصيف اسميّ يقوم على ضربٍ من ضروب التبادل الجزئي شرط خلوّه من كلّ معالم الإذلال ورسوّه على استثناءاتٍ لا يمكن التغاضي عنها بحيث يتمّ الإفراج عمن يستحقّ ذلك وعن بعضٍ ممن لا يستحقّون شرط ألا يكونوا من المطلوبين “الرفيعين” أي المتهمين الذين لا يمكن إفلاتهم تحت أي ضغطٍ لأنهم من أبناء “الصيد الثمين”. وبذلك تكون الحكومة استجابت جزئيًا لمطلب الخاطفين الذين ما زالوا ينتظرون من الحكومة قولها علناً ورسميًا أو عبر الوسيط القطري: نقبل بالمقايضة. أغلب الظنّ، لن تذهب الحكومة على ما علمت “البلد” بهذا الاتجاه صراحةً ولن تلتزم به على بساطته وسرعته وحرفيّته خصوصًا في ظلّ تمسّك فريق كبير فيها بمبدأ “تفاوض القوّة”، إلا أنها لن تقفل الأبواب على إمكانية ملامسته بناءً على مضمون الورقة التي سيحملها اليها الموفد القطري من عرسال.

لا تريد التشويش

وتشدد مصادر حكومية على أن “ليس من مصلحة أحد أن يطّلع على مجريات التفاوض تلافياً للتسريبات الإعلامية التي لا تخدم قضيّة أبنائنا العسكريين. جلّ ما يمكن قوله إننا نضع كامل ثقتنا في الرئيس تمام سلام ليقيننا بأنه لن يُقدِم إلا على خطوةٍ تصبّ في صالح عسكريينا المخطوفين”. وترفض المصادر “التعليق على موقف الحكومة من المقايضة”، مؤكدةً أنها “لا تريد التشويش على العمل الدؤوب الذي يجري في الظلّ من قبل الفريق المُشكَّل من رئاسة الحكومة، ولا يفيد أن نُدخِل هذا الملفّ في سوق السجال. المهمّ أن نحرص على سلامة أبنائنا لأن سلامتهم هي سلامة الوطن، وهذا ما نسعى اليه وما نحرص عليه”.

بدأت تستجيب

هذا على جبهة عمل الظلّ، أما على جبهة الأهالي فبرودةٌ أكبر بعدما وصلت الى مسامع عددٍ كبير منهم تطميناتٌ تشي بأن الفرج قريب. وعلمت “البلد” أن “بعض أهالي عرسال ممن لهم وصول الى الخاطفين يساهم في طمأنة الأهالي المعتصمين في ساحة رياض الصلح ويؤدي دوراً إيجابياً على مستوى تهدئة النفوس وضمان سلامة العسكريين”. ويؤكد فادي مزاحم، عمّ الرقيب المخطوف لامع مزاحم أن “الأهالي جمّدوا التصعيد في انتظار الموفد الذي عاد أمس الأول من عرسال ثمّ توجّه اليها مجدداً أمس لاستكمال المفاوضات وحتى الساعة لا جواب رسمياً منه. وكما سمع الجميع مطلب الخاطفين عبر الإعلام سمعناه نحن، ولكن وصلت الينا تطمينات يُبنى عليها”. وما إذا كان الأهالي استطاعوا جسّ نبض الرئيس سلام على مستوى قبول المقايضة أو عدمه قال مزاحم: “لمسنا تجاوباً جدياً من رئيس الحكومة في هذا الموضوع لأنه يعتبر العسكريين بمثابة أولاده. ستقبل الحكومة بالمقايضة لكن ليس بشروطٍ تعجيزية. علمًا أن الحكومة بدأت تستجيب جزئيًا الى مطالب الخاطفين التي تمكن تلبيتها وآخرها المساعدات الغذائية لعرسال، وهذا إن لم يؤدِّ الى إطلاق أبنائنا إلا أنه يمنع مسلسل التهديد بالذبح والقتل وننتظر مبادرة حسن نوايا مقابلة بإطلاق شخص أو اثنين كمقدّمة لتحرير جميع أبنائنا”.

ورقة نهائية

حطّ الليل رحاله أمس في خيمة ذوي المخطوفين الصامدين تحت أمطار تشرين على شذرات أخبارٍ من هنا وهناك كلّها مبشّرة. فلائحة المطالب غدت أغلب الظنّ في أيدي الموفد القطري الذي راح يقرأها بتفاصيلها خوفاً من عودته الى بيروت حاملاً لائحةً تعجيزية يعرف جواب الحكومة عنها مسبقاً، والتنظيمان الخاطفان يبديان تجاوباً مقبولاً على ما هُمِس في أذن الأهالي. أولئك الذين لا يجرؤون على زيادة جرعات تفاؤلهم ولن يفعلوا قبل عودة الوسيط بورقةٍ نهائيّة تقول لها الحكومة أخيراً: نعم.