اعتزل الشيخ بشارة الخوري منصب رئاسة الجمهورية في 18 أيلول 1952 وسلم الأمانة لقائد الجيش آنذاك اللواء فؤاد شهاب كاملة غير منقوصة، ولم تهرق نقطة دم، ولم يمسّ الدستور، ولم ينتقص من قدر الرئاسة.

لقد جعل الانقلاب (1952) أبيض و"دستره" وتمنى للبنان العزّ والمجد، وكانت وصيته أن يحافظ اللبنانيون على قدسية ميثاقهم الوطني الذي لا حياة لهم بدونه. هذا ما قاله الشيخ الرئيس في كتاب استقالته بعد أن أيقن خطورة الاحوال التي سادت وتفاقمت مع ما رافقها من تدخلات اجنبية لعبت دورًا رئيسيًا في زعزعة الاوضاع السياسية والامنية في البلاد.

وما نود قوله في هذا الاطار أنّ أحداث اليوم لا تختلف في جوهرها عن أحداث الامس، فالهدف واحد هو خلخلة النظام اللبناني عن طريق الانتقاص من قدسية الدستور والميثاق وتعطيل فاعليتهما في الحياة السياسية، إذ إنّ تمديد المجلس النيابي لنفسه هو إخفاق ذريع بحد ذاته في ادارة الحكم وخرق ساطع لنظامنا الديمقراطي، ولا يخفى أنّ الخرق الدستوري هو خيانة عُظمى تطال كلّ شخص يتعرّض أو يخلّ بدستور الأمّة اللبنانية.

إنّ تمديد المجلس النيابي لنفسه هو نقيض الديمقراطية بل هو عدوها الالد، ولا يجوز اللجوء إليه إلا في أوضاع صعبة للغاية لا يمكن تجاوزها قطعيًا، وهي غير متوافرة حاليًا، واذا ما توافرت، فرضًا، يجب على المجلس النيابي أن يجتمع باكثرية موصوفة مماثلة لتعديل الدستور أي اكثرية ثلثي أعضائه والتصويت على التمديد بذات هذه الاكثرية عملا بالمادة 79 دستور لأنّ التمديد يشكل خرقا للفقرتين (ج) و (د) من مقدمة الدستور وللمادتين 24 و42 منه ولا يكتفى أبدًا باعتماد الاكثرية النسبية العادية في هكذا حال وإلا أصبح من السهل على المجلس النيابي (الممدد لنفسه) تهديم النظام الديمقراطي البرلماني الحر وتحويله الى نظام ديكتاتوري أو إلى نظام لا يشبه الديمقراطية بشيء، فضلا عن أنّ التمديد لا يجوز بغياب وجود رئيس للجمهورية الذي يملك سلطة رد القانون الى المجلس لاعادة التصويت عليه مرة ثانية بذات اكثرية الثلثين من اعضاء المجلس النيابي.

إنّ معركة النواب في محاولة التمديد لانفسهم هي معركة خاسرة قبل أن تبدأ لأنّ مجرد خرقهم للدستور هو رهان خاسر، فهم ليسوا الشعب صاحب السلطة، وان رهانهم يجب ان ينصب على هذا الاخير لكي يستمدوا منه علة وجودهم الشرعي والقانوني في المسؤولية العامة، وبقطع النظر عن طبيعة القانون الانتخابي المرعي الاجراء والنتائج التي سيفرزها.

ونذكّر الذين يروجّون للتمديد أنهم في وضع حرج جدًا لجهة المسؤوليات التي تطالهم، ولان الشعب عاجلا ام اجلا لن يسكت عن انتزاع السلطة من يده، كما أنّ اليد الاجنبية العابثة وغير الابهة بمصالح الدولة اللبنانية ستستغل هذا الوضع الشاذ لتأجيج الازمة بحسب ما تشتهي، ثم إنّ الرأي العام العالمي لن ينصفنا ولن يقف بجانب مطالبنا العادلة والمحقة لعدم وثوقه بعهودنا الدولية التي التزمنا بها في الفقرة (ب) من مقدمة دستورنا التي تنص: "لبنان عضو مؤسس وعامل في منظمة الامم المتحدة وملتزم مواثيقها والاعلان العالمي لحقوق الانسان، وتجسد الدولة هذه المبادىء في جميع الحقول والمجالات دون استثناء".

ونقول ايضا لهؤلاء المروّجين المأخوذين بشهوة السلطة ان لا خوف على لبنان الا منكم انتم، لانكم تتحدون شعبه وتزرعون في نفسه الرعب في حين انه هو صاحب التضحيات وهو الصامد المدافع عن حياض الوطن وليس انتم. وبالتالي، لا تخونوه ولا تشوهوا مبادىء الحرية التي يعتز بها، كما انه ليس من الجائز لكم ان تستصنعوا الفراغ الدستوري لتمرير مؤامرة التمديد، لان الفراغ ليس سببه المواد الدستورية بل هو من خلقكم وصنعكم اذ ان المادة 74 من الدستور قد شملت جميع حالات الفراغ بحيث جاء فيها: "اذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس او استقالته او بسبب آخر فلاجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس فورا بحكم القانون واذا اتفق حصول خلاء الرئاسة حال وجود المجلس منحلا تدعى الهيئات الانتخابية دون ابطاء ويجتمع المجلس بحكم القانون حال الفراغ من الاعمال الانتخابية".

وعليه، يجب الترفع عن الدنايا والقبول بالتضحية في سبيل لبنان ومجده، والتفكير بانقاذ دستوره قبل كل شيء لانه الضمانة الاساسية والوحيدة لوجودنا على ارض ابائنا واجدادنا كرماء اعزاء، وان الانتخابات الرئاسية والنيابية هي رهان الشعب ونصره الحقيقي وليس التمديد الذي هو استسلام وذل بل هزيمة نكراء، لنا جميعا، تبشر ببؤسنا وزوال ميثاقنا الوطني الذي هو دعامة استقلالنــا وسيادتنا.