يعتقد الكثيرون أنّ الولايات المتحدة الأميركية تسعى إلى تطبيق النموذج اللبناني في السلطة على المسألة السورية، عند إنتهاء الحرب الدائرة هناك، لكن ما يجري على الأرض مختلف كلياً، حيث يبدو واضحاً أنّ واشنطن تسعى إلى تعميم النموذج العراقي، القائم على أساس التقسيم إلى أقاليم في المنطقة.

حتى الآن، لا تبدو الأمور على الصعيد السوري واضحة، بالنسبة إلى الجانب الأميركي، فالمسؤولون الأميركيون يعترفون بأن الأوضاع معقدة إلى حد بعيد، لا سيما أنهم لا يملكون الحلفاء الأقوياء القادرين على تطبيق المشروع السياسي، المعد سلفاً، على أرض الواقع، لكن في العراق الوضع مختلف، بات واضحاً أن الإعتماد سيكون على دعم فصائل مذهبية وعرقية مختلفة، كما أن النظام السوري لا يزال يمتلك أوراق القوّة التي تدفعه إلى التشدد في رفضه، على عكس حال النظام العراقي المفكك، الذي بني بعد إسقاط الرئيس الراحل صدام حسين.

بالنسبة إلى الأميركي، التقسيم هو الخيار الأفضل، من خلال خلق إقليم كردي شبيه بإقليم كردستان العراق، بشرط عدم إزعاجه تركيا، ومن أجل ذلك كان فتح العلاقات مع أكراد سوريا بعد تهديد وجودهم من تنظيم "داعش"، وهم من خلال ذلك إستطاعوا خطف هذه الورقة التي كان الكثيرون يرون أنها بيد النظام السوري، والإتهامات التي وجهت إلى حزب "الإتحاد الديمقراطي" الذي يسيطر على المناطق الكردية في الشمال السوري كثيرة.

وعلى غرار التجربة العراقية أيضاً، يسعى الأميركي إلى إعداد قوة عسكرية سنيّة، تدور في فلكه لتحل مكان تنظيم "داعش" في المناطق التي يسيطر عليها الأخير، وهو من أجل ذلك يعمد حالياً إلى تدريب عشرات الآلف من المقاتلين، المصنفين معارضة معتدلة، في الدول الحليفة له، لا سيما في تركيا والسعودية، ويريد أن يشكل معارضة سياسية قوية قادرة على تمثيل هذا النموذج تُصرَف عليه الأموال الطائلة التي يتبرع "الحلفاء" بتقديمها لتحقيق هذه الغاية.

في هذا السياق، توضح مصادر سورية متابعة، في تصريح لـ"النشرة"، أن الأميركي يؤمن بأن تقديم الجماعات الإرهابية كمشروع سياسي غير ممكن بسبب موقف الرأي العام المحلي والدولي، لكن هذا لا يمنع الإستفادة من الأمر الواقع الذي حققته، لا سيما أنه يدرك أن النظام السوري لن يقدم على أي تنازل من هذا النوع عبر المفاوضات السياسية، وبالتالي هو يسعى إلى فرض ذلك بالقوة، عبر رسم حدود الأقاليم بالنار.

نقطة الإنطلاق في هذا المشروع، تبدأ من خلال تصوير الجيش السوري كجيش مذهبي، شبيه بالحالة العراقية التي يتم فيها التعاطي مع القوات العسكرية هناك على أساس أنها قوات شيعية، مع العلم أن الجيش الأميركي كان له الدور الأساس في بنائه، وفي الحالة السورية يراد تصوير الجيش على أنه قوات علوية، حيث تعمل بعض وسائل الإعلام، القريبة من هذا المشروع، على ترسيخ هذا المفهوم منذ بداية الأزمة السورية.

وتشير المصادر السورية إلى أن التقسيم على أساس توزيع الحصص السياسية بين المذاهب، كما هو حاصل في لبنان، لا ينفع الأميركي، بل المطلوب تقسيم أشمل على أساس مناطقي ومذهبي وعرقي، ومخطىء من يعتبر أن إستراتجية واشنطن لا تزال غامضة في هذا المجال، فموازنة وزارة الدفاع الأميركية التي نشرت قبل أيام قليلة تعبّر بشكل واضح عن هذا الموضوع، لكن هذا لا يعني أن الأمور ستجري كما تشتهي سفن هذا المشروع.

لا يزال حتى الساعة السوري يرفض الدخول في هذه المعادلة، والرهان الأكبر هو على الجيش من أجل عرقلتها، ومن هنا يأتي الإصرار على إنهاء الواقع القائم في بعض المناطق التي تشكل أرضية لهذه الفكرة، من حلب وصولاً إلى دير الزور وريفي حمص ودمشق، ومن هنا أيضاً كان الإعلان السوري المباشر عن التعاون في الحرب الدولية على الإرهاب، التي أرادت واشنطن أن تكون العنوان العريض الذي تنفذ من خلاله هذا المخطط.

بالنسبة إلى السوري، أفضل تعبير عن الموقف من هذا المشروع جاء على لسان الرئيس بشار الأسد، في خطاب القسم الذي ألقاه بعد إعادة إنتخابه، من خلال التشديد على إستعادة السيطرة على المناطق التي يسيطر عليها المسلحون، وبالتالي لا يمكن القول أن المشروع الأميركي بات أمراً واقعاً، فهو وإن كان يحقق بعض التقدم في العراق منذ غزوة الموصل، لا يزال يواجه الكثير من العراقيل في سوريا، لا سيما أن عامل الوقت يلعب لصالح المنظومة المعادية له، نظراً إلى عدم توفر من يستطيع تنفيذ هذا المشروع النظري على أرض الواقع حتى الساعة.

في المحصّلة، لا يبدو أنّ "داعش" وحدها هي من أسقطت الحدود بين دول المنطقة، وهناك من يعتبر أن التقسيم على أساس الأقاليم قد يؤدي إلى ولادة البعض منها خارقاً لهذه الحدود أيضاً.