في قتاله ضُدّ القوّات الإسرائيليّة كان "حزب الله" يَعتمد خصوصاً على تكتيكاتٍ عسكريّة تتركّز على الإحتفاظ بالقدرة على إطلاق الصواريخ من المراكز المَخفيّة تحت الأرض والتي تُفتح عند الإستخدام، وعلى توزيع مجموعات صغيرة من المُقاتلين المُزوّدين بصواريخ مُضادة للدروع في مواقع رصد ومراقبة حسّاسة تكشف ممرّات عُبور الدبّابات وباقي الآليّات، وهي متّصلة بمواقع أخرى عبر أنفاق تسمح بالإخلاء الفوري لأيّ موقع بمجرّد كشفه من الطيران الإسرائيلي، وبالإنسحاب إلى موقع آخر قريب منه يُؤمّن القدرة الدفاعيّة نفسها لاعتراض أيّ هجوم برّي مُدرّع مُحتمل. لكن هذه التكتيكات التي أثبتت نجاحها في "حرب تمّوز" سنة 2006، لا قيمة لها في المُواجهات التي يخوضها مقاتلو "الحزب" حالياً مع مجموعات المعارضة السورية في القلمون. فلا القصف الصاروخي البعيد المدى له أيّ تأثير مَعنوي ولا حتى مَيداني مُهمّ، ولا حتى الصواريخ المُوجّهة المُضادة للدروع. وبالتالي، ما هي التكتيكات التي يَتبعها "حزب الله" حالياً، خاصة بعد معركة جرود بريتال التي وقعت في أوائل تشرين الأوّل الماضي، والتي تسَبّبت بخسائر بشريّة ومعنويّة كبيرة؟

أوّلاً: لم يعد يَعتمد "حزب الله" على مواقع عسكريّة متقدّمة يتواجد فيها عدد قليل من المقاتلين، وهو تكتيك كان يعتمده في قتاله مع الإسرائيليّين خوفاً من سقوط عدد كبير من الإصابات بأيّ قصف جوّي إسرائيلي مُحتمل. فالخطر الذي يُمثّله مُسلّحو المعارضة السوريّة ليس من الجوّ، بل من عمليّات برّية مُفاجئة، ضد مواقع عسكريّة مُتقدّمة وشبه معزولة. لذلك، صارت كل مواقع "الحزب" المتقدّمة والمنتشرة على جزء طويل من الخط الحدودي الفاصل بين سوريا ولبنان، وداخل منطقة القلمون السوريّة، معزّزة بعدد كبير من المقاتلين، وقادرة على الصمود والمواجهة لفترة طويلة قبل أن تتلقّى أيّ دعم أو مؤازرة. وبالتالي، لم يعد من المُمكن بعد اليوم، شنّ هجوم غادر على مجموعة صغيرة من المُقاتلين، حيث أنّ كل مجموعة قتالية قادرة على الدفاع عن نفسها لفترة طويلة، مهما كثر عدد المُهاجمين.

ثانياً: أجرى "حزب الله" تبديلات كبيرة في مواقع المُراقبة والرَصد، بحيث أخلى تلك المُتقدّمة جداً والمَكشوفة لصواريخ المُعارضة، وإستعاضَ عنها بإعتماد أكثر من موقع رَصد لتحرّكات مسلّحي المعارضة السورية، تتميّز بتحصيناتها الدفاعيّة العالية الفعاليّة، والأهمّ أنّها مُترابطة بعضها ببعض عبر ما يُسمّى "خط النار". بمعنى آخر يستطيع مثلاً الموقع "ألف" التدخّل بالنيران للدفاع عن موقع "باء"، وموقع "تاء" يكشف جزءاً من ساحة معركة المَوقعين الأوّلين، وهكذا دواليك. وبالتالي، لم يعد من المُمكن بعد اليوم، إستفراد عناصر أيّ موقع، من دون مواجهة مجموعة كبيرة من المواقع القتالية المترابطة في ما بينها.

ثالثاً: إضافة إلى تغيير خريطة مواقعه، وتحصينها بشكل كبير بالعديد والعتاد، صار "حزب الله" يُنفّذ الهجمات الإستباقيّة أكثر من السابق. وبالتالي، ما يتردّد إعلامياً بشكل شبه يومي، عن سماع أصوات إنفجارات وإشتباكات في منطقة القلمون خاصة في الليل، مردّه إلى إستهداف أيّ تحرّكات عسكريّة مشبوهة بالمدفعيّة والصواريخ بشكل فوري، منعاً لتحضير أيّ هجوم للمعارضة بشكل منظّم. وبالتالي، لم يعد من المُمكن بعد اليوم، قيام المُعارضة بتنظيم صفوفها وبحشد وحدات كبيرة للإنطلاق في أيّ هجوم مفاجئ من دون التعرّض للقصف، إمّا من سلاح الجوّ السوري أو من مرابض مدفعيّة وراجمات صواريخ "حزب الله" في المنطقة.

رابعاً: قلّص "حزب الله" عدد الدوريّات الراجلة التي كان يقوم بها في المناطق الحسّاسة إلى الحدود الدنيا، إن في القلمون أو تلك الحدوديّة الحسّاسة، وذلك بعد إستهداف عناصره بالعديد من الكمائن الدمويّة. وهو إستعاض عن هذه الدوريّات الرُوتينيّة الخطرة، بتكثيف تحليق الطائرات من دون طيّار التي يَملكها للكشف عن أيّ تحرّكات مشبوهة، وبتنفيذ تمشيط ميداني دَوريّ بالأسلحة المُتوسّطة أيضاً. وبالتالي، لم يعد من المُمكن بعد اليوم، إيقاع إصابات كبيرة في صفوف مقاتلي "الحزب" عن طريق أسلوب الكمائن الأمنيّة.

في الختام، يُمكن القول إنّه بعد هذه التغييرات التكتيكيّة المُهمّة التي أدخلها "حزب الله"، بتوجيهات مباشرة من قيادته العليا، صار إحتمال تكرار "سيناريو" معركة جرود بريتال أكثر صعوبة من السابق بكثير، بحيث أنّ شنّ أيّ هجوم مُفاجئ فعّال، يَستوجب مشاركة أعداد ضخمة من المُهاجمين. وهذا الأمر صعب التحقيق لأسباب لوجستية أوّلاً، لجهة صُعوبة نقل المُقاتلين من مكان إلى آخر بسبب وعُورة المنطقة وتقلّص مناطق سيطرة المُعارضة فيها، ولأسباب عسكريّة ثانياً، لجهة إمكان كشف أي تحركّات لأعداد كبيرة من المسلّحين بشكل إستباقي، والإيعاز بقصفها من الجوّ أو بالمدفعيّة والصواريخ، ما سيُفشل سلفاً أيّ تحضيرات لهجوم مُنظّم. وحتى في حال التمكّن من شنّ أيّ هجوم، فإنّ القدرة الدفاعيّة لمقاتلي "الحزب" تحسّنت بشكل كبير عمّا كانت عليه قبل أشهر قليلة. لكن هذا الأمر لن يحل دون إستمرار المعارك والمواجهات المتفرّقة، وحتى بعض الهجمات بين الحين والآخر. وكل ما يقال عن أنّ فصل الشتاء سيُوقف وسيُجمّد المعارك غير صحيح، باعتبار أنّ الهجمات الأساسيّة والكبيرة التي نفّذها الجيش السوري ومقاتلو "حزب الله" ضد فصائل المعارضة السورية في القلمون مع تركيز على معركتي يبرود ورنكوس بالتحديد، تمّت في فصل الشتاء الماضي!