تطرح الأعداد الهائلة للاجئين السوريين في لبنان إشكالات كبيرة على الدولة اللبنانية التي باتت تتحمّل أكثر من قدرتها وطاقتها، في وقتٍ تعلو أصوات تذمّر بعض السوريين ممّا يقولون أنه سوء معاملة وصعوبات وعوائق تواجههم عند منطقة الحدود، ويذهب عددٌ من هؤلاء لحدّ اتهام اللبنانيين بعدم "ردّ الجميل" لهم على ما قاموا به سابقًا، وخصوصًا خلال حرب تموز 2006.

إلا أنّ الواقع لا يبدو كذلك على الإطلاق، في ظلّ الأعباء الاجتماعية والإنسانية الكبيرة الملقاة على كاهل الدولة اللبنانية جراء تفاقم النزوح السوري بشكلٍ كبير، وهو ما تبيّنه الأرقام بوضوح، حيث أنّ أعداد اللاجئين لم تكن تتجاوز مع بداية الأحداث في سوريا الآلاف، ولكن مع احتدام المعارك خصوصًا بعد منتصف تموز 2012 وبعد تفجير مبنى الامن القومي واندلاع المعارك في دمشق وباقي المناطق، بدأت الأرقام تتفاقم بسرعة قياسية تجاوزت اثني عشر الف شخص في اليوم الواحد. وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أنّ عدد اللاجئين وصل إلى مليون وخمسمئة الف شخص مسجلين وحوالي مئتين إلى ثلاثمئة ألف دخلوا عبر طرق غير شرعية، كما تؤكد مصادر رسمية لبنانية مطلعة، علمًا أنّ السلطات اللبنانية قامت بتسوية أوضاع أعدادٍ منهم مؤخراً.

وعلى الرغم من اقتراب عدد اللاجئين من نصف عدد اللبنانيين، لم تتوقف السلطات اللبنانية عن السماح للسوريين بدخول لبنان حتى الآن، ولا تزال الحدود اللبنانية مفتوحة أمامهم بشكل طبيعي. إلا أنّ الشكاوى بدأت ترتفع من الصعوبات التي يواجهونها في الدخول إلى لبنان، خصوصًا بعد اندلاع المعارك في عرسال وجرودها، ويتحدّث بعض السوريين في هذا السياق عن عدم وجود معايير واضحة يستند إليها موظفو الأمن العام للسماح للمواطنين السوريين بالدخول أو الخروج.

وتعليقاً على هذه الشكاوى، يؤكد مصدر سوري مسؤول عبر "النشرة" تقديره لاستمرار لبنان في استقبال السوريين رغم الضغوط التي يتعرّض لها، لكنه ينبّه إلى أنّ الشكاوى من سوء التعامل والمزاجية من شأنها أن تسيء للعلاقات بين الشعبين اللبناني والسوري. ويلفت إلى أنّ من حق الأمن العام رفض دخول السوريين لأسباب إدارية أو أمنية، ويشير إلى أنّ من حق لبنان أيضًا تعليق الاتفاقية بين البلدين حول إلغاء تأشيرات الدخول لتصبح هذه العملية عبر السفارة اللبنانية في سوريا أو حصر الدخول بجوازات السفر وفرض رسم وهو ما سيخفض اعداد المسافرين الى النصف، لكنه يعتبر أنّ المشكلة تكون حين يصل المواطن إلى الحدود ويُطلَب منه العودة بلا سبب أو معيار، موضحاً أنّ هذا الأمر هو الذي يترك آثارًا سلبية بلا داعٍ.

ويؤكد المصدر المسؤول أنّ السوريين سيتفهّمون مثل هذه الإجراءات فيما لو اتخذتها السلطات اللبنانية باعتبار أنّ لهم تجربة سابقة في هذا الإطار، وذلك بعد دخول مليوني عراقي إلى سوريا خلال الحرب على العراق، وقد اتخذت السلطات السورية حينها إجراءات من هذا النوع وعلقت العمل بالاتفاقيات الثنائية مع العراق كما طلبت من العراقيين الحصول على تأشيرة من السفارة السورية في بغداد قبل توجههم الى الحدود وهو ما ترك الامور تسير ضمن الاطار القانوني ببن البلدين.

في مطلق الأحوال، ورغم ما قيل ويُقال وسيُقال، تؤكد الوقائع أنّ لبنان لا يزال البلد الأكثر كرمًا في تعامله مع النازحين، على الرغم من أنّ أعدادهم فاقت قدرته على الاستيعاب، وبدأت تطرح إشكالات بالجملة في ظلّ مشاركة العمال السوريين للعمال اللبنانيين في تقاسم فرص العمل والعيش مع بعضهم البعض دون رادع او مراقبة تذكر.