يُجمع الخبراء الاستراتيجيون على أن الجيش السوري بعد 44 شهراً ونيف من الحرب الاستعمارية – الصهيونية – التكفيرية – الرجعية على سورية، أثبت كفاءة نادرة في تاريخ العلم العسكري، فالمؤامرة لا تقتصر على الميدان فحسب، بل توظَّف فيها مبالغ مالية خيالية من قبَل بائعي الكاز العربي، وقد دعت أمير قطر السابق مع مرور الأشهر الأولى على الحرب ليعلن استعداده لتخصيص أكثر من مئة مليار دولار من أجل هزيمة الدولة الوطنية السورية، وفعلاً، دخلت هذه المشيخة في تنافس لم يسبق له نظير مع مملكة آل سعود في ضخ الأموال، وفي الفبركات الاعلامية، بحيث شاهدنا ونشاهد منافسة محمومة بين "الجزيرة" و"العربية" مع توابعهما من الإعلام المرئي والمكتوب في حرب إعلامية ضد الدولة الوطنية السورية وحلفائها، حتى سبقوا الإعلام النازي والفاشي في بث الأكاذيب، ناهيك عن الضخ الهوليودي الأميركي وما يسمى "مؤتمرات أصدقاء سورية".. بالإضافة إلى كُشف الوجه الحقيقي لرجب طيب أردوغان وأحمد داود أوغلو وحزب "العدالة والتنمية" التركي..

بعد هذه المدة من الحرب على سورية تمكّن الجيش العربي السوري من استيعاب الدروس والعبر، وتكوين الخبرات والتجارب، ما مكّنه من الصمود الأسطوري، والتكيُّف النادر مع القتال؛ على مستويي الحرب النظامية، وحرب العصابات، وبدأ يقلب الموازين على معظم جبهات ومحاور القتال.

ففي الغوطة الشرقية يحقق الجيش السوري تقدُّماً استراتيجياً، ويشدّ الخناق على دوما التي تغذي مسلحي منطقة القلمون، لكن بعد الإنجازات العسكرية النوعية للجيش السوري وحلفائه في المقاومة الإسلامية يمكن القول إن منطقة القلمون أصحبت مغلقة، لتبقى ناحية جوبر، حيث تُعتبر هذه المنطقة صعبة ومعقدة، إذ إنه من المعروف أن هذا الحي كان حياً يهودياً، وفيه معابد يهودية، وتحتها يوجد شبه مدينة أخرى تكثر فيها أنفاق ومخابئ اتخذها الإرهابيون مقراً لهم.

اللافت هنا أنه فيما كان هناك تركيز على حيّ جوبر، ويسجَّل فيه تقدم، وإن بطيئاً، كان الجيش السوري يحقق مفاجآت أخرى مذهلة بتقدُّمه في عدرا العمالية وعدرا البلد وأماكن أخرى، ويحررها من العصابات الإرهابية، ما أذهل وفاجأ ليس قادة المجموعات الإرهابية فحسب، إنما أيضاً الخبراء والاستراتيجيين العسكريين الغربيين والأميركيين.

أما بشأن دوما، فإنه مع انتصارات الجيش السوري وتضييق الخناق على المسلحين، كانت تتقدم اتصالات المصالحة الوطنية، لكن رجل السعودية زهران علوش كان يلجأ إلى قتل كل من يتحدث عن هذا الامر، فارتكب أفعالاً فظيعة بحق الأبرياء في هذه المنطقة.

ويجمع الخبراء العسكريون أنه بعد أن قُطع الأمل بإحراز أي نجاح أو تقدُّم من ناحية جرود عرسال والقلمون، كانت محاولات المجموعات التكفيرية توجيه ضربات لحلفاء الجيش السوري في جرود بريتال ونحله، وفيها وجَّهت المقاومة ضربة قاصمة لهؤلاء التكفيريين، لتبدأ بعدها محاولات جديدة للإرهابيين لاستعادة بعض الأمل بزمام المبادرة، فكانت خطتهم الجديدة بمحاولة التقدم من ناحية قوسايا وراشيا، بالتزامن مع إعادة التوتير إلى جرود بريتال - نحله، لتغطي على محاولة التقدم من ناحية جوسيه، وعليه كانت تحركات في الضنية وعكار وجرودها، وتطورات طرابلس تمهيداً لإعلان "الإمارة الداعشية"، والتي ترافقت مع إعادة توتير لجرود عرسال، لكن تحرُّك الجيش اللبناني في الشمال أحبط المشروع الخطير للإرهابيين.

وهنا تكشف المعلومات أن كل هذه التطورات ترافقت مع توجيه الجيش السوري وحلفائه ضربات قاتلة لقادة المجموعات الإرهابية في القلمون، حيث قُتل قادة بارزون من أمثال أبو طلال حمد، الذي تسلّم المسؤولية بعد اعتقال الجيش اللبناني في عرسال عماد جمعة، وجرح آخرين من أمثال أبو مالك التلي؛ أمير "النصرة" في جرود القلمون، والذي تبيّن أنه هو من كان يفجّر في التل، ويقتل شيوخها ونساءها، مع العلم أنه من هذه البلدة.

بأي حال، فإن الجيش السوري يحقق إنجازات نوعية على مختلف محاور المواجهة، فهو أحبط محاولات للسيطرة على حقل الشاعر في ريف حمص، ويوجّه ضربات إلى المجموعات الإرهابية المسلحة الموجودة أساساً في ريف حمص الشرقي.

كما قصم ظهر الإرهابيين في سيطرته على مدينة مورك في حماه، والتي كانت تُعتبر عاصمة "جبهة النصرة"، بسبب موقعها في الوسط، وإمكانية أن يتسلل المسلحون منها إلى كل سورية، لأنها كانت تشكل خزاناً لهؤلاء المسلحين الذين كانوا يفدون إليها من تركيا، ومن الشمال اللبناني.

تبقى أخيراً الإشارة إلى مهمة المبعوث الدولي إلى سورية؛ ستيفان دي ميستورا، الذي حتى الآن يؤكد أن القيادة السورية على صواب في مواجهاتها مع الإرهابيين، ووفقاً لمعلومات متوافرة فإن دي ميستورا التقى السفير الإيراني في سورية؛ محمد علي شيباني، مع بداية مهمته، فدعاه الأخير لأن لا يقع في فخ الأخضر الإبراهيمي، فيقع سلفاً في الفشل، ناصحاً إياه ببناء صورة واضحة يتحرك على ضوئها، فهل بنى المبعوث الأممي هذه الصورة؟