منذ الخامس من نيسان عام 2013، وضع رئيس الحكومة ​تمام سلام​ آمالاً كبيرة على الاتفاق الاقليمي-الداخلي الذي أسفر عن وصوله إلى أعلى منصب يمكن لشخص من الطائفة السنّية أن يتبوأه في لبنان، أي رئاسة الحكومة.

ودغدغت عوامل المسؤولية والنجاح في تحقيق الانجازات، مشاعر الرجل البيروتي وابن أحد رجالات الاستقلال صائب سلام، ولعلّ أولى بوادر هذه المشاعر كانت التوافد الشعبي للبيروتيين إلى منزل آل سلام العريق معلنين إعادة فتحه بعد أن كانت أبوابه شبه مغلقة لفترة من الزمن.

ولكن، ومنذ ذلك الحين، يعيش رئيس الحكومة تمام سلام انتكاسات متتالية بحيث يبدو أنه مقيّد اليدين وأسير التجاذبات السياسية التي تتحكم بالحكومة حتى أنه قال بنفسه أخيراً أنّ الحكومة تسير بنصف طاقتها. فمنذ تكليفه، بقي سلام يحمل لقب رئيس الحكومة المكلف عشرة أشهر كاملة ولم يستطع خلالها إرضاء أيّ من طرفي النزاع رغم أنه محسوب على قوى "14 آذار"، ففقد بذلك الرهجة التي حملته الى تكليف الحكومة.

وبعد التشكيل، لم يهنأ سلام بمنصبه الجديد، فتوالت المشاكل حتى خلال الجلسات الوزارية التي كانت تجري في قصر بعبدا، حيث كان أكثر ارتياحاً خلال الجلسات لأنّه لم يترأسها، بل رئيس الجمهورية.

ولم يتمكن سلام بعد الفراغ الرئاسي، من الاستفادة من الصلاحيات التي انتقلت إلى الحكومة عبر رئاسة الجمهورية، فأحكم الوزراء قبضتهم عليها، وكان الحل الوحيد المتاح أمامه اعتماد التأجيل في المسائل الخلافية والمهمة.

ويتساءل كثيرون عمّا يمكن أن يقدّمه بعد تمام سلام في رئاسة الحكومة، في ظلّ وضع هشّ على الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية، فهو لا يمكنه البتّ بأي ملف، كما أنّ القاعدة الشعبية السنّية تصبّ حكماً في خانة النائب سعد الحريري.

ولا يمكن تحميل سلام أكثر ممّا يحتمل، فالحقيقة تقال أنّ المشاكل التي يعاني منها لبنان تحتاج إلى وضع مستقر على الاقل من الناحية السياسية، كما أنّ الملفات الشائكة التي تعترض الحكومة لها جذور اقليمية ودولية، وبالتالي فإن جلّ ما يمكن لرئيس الحكومة الحالي القيام به هو "إدارة الازمة" في ظل استمرار الضباب حول الانتخابات الرئاسية التي قد تتأجل مراراً وتكراراً بعد.

لا شكّ أنّ سلام يعرف تماماً أنه سيحتفظ برئاسة الحكومة حتى جلاء الصورة اقليمياً، وهو أمرٌ ليس بقريب. فاستمرار الحكومة اللبنانية، حاجة للبنان وللدول الاخرى لأنّ قرار المحافظة على الستاتيكو الحالي لم يتمّ نقضه بعد، وهو لا يزال فاعلاً رغم كلّ ما حصل. وبالتالي، لا نيّة عند أحد في تفجير الملف الحكومي عبر إطلاق الرصاص السياسي على الحكومة ورئيسها، فعلى الرغم من عدم الثقة الكاملة لقوى "8" و"14 آذار" بسلام، إلا أنّ الجميع مستمر في الحكومة ولا يوجد أيّ دليل على نيّة أحد التخلي عنها، كما أنّ رئيسها لن يقوم بأي خطوة من شأنها تغيير الواقع، حتى ولو هدد بالاستقالة، إلا أنّ الكثيرين يؤكدون أنه لن يقدم على هذه الخطوة لسببين: الاول عدم وجود رغبة لديه في ذلك، والثاني أنّ المعطيات الاقليمية والدولية لا تسمح له القيام بمثل هذه الخطوة.

وفي ما يشبه "الزواج الماروني" يستمرّ سلام على رأس حكومة كوكتيل الطوائف، وهو لا يزال يطمح إلى تحقيق إنجاز ما يسمح له بالبقاء في نادي المرشحين الدائمين لرئاسة الحكومة، وقد يصل إلى مبتغاه إذا ما سمحت الظروف بذلك، ولكن عليه ألا ينسى أنّ الصقور السنّة في الحكومة بدأوا يشعرون ويحلمون بالدغدغة التي شعر بها سلام لحظة تكليفه تشكيل حكومته.

لم تأت حصيلة عشرة أشهر كرئيس حكومة فعلي وفق حسابات تمام سلام، ولكنّ الايام المقبلة قد تحمل حسابات أخرى، لكنها أيضاً قد تبقي حسابات حقل غير مطابقة لحسابات البيدر.