عندما وقفت الكتائب ضد التمديد بخلاف حلفائها في فريق 14 آذار كثرت الأحاديث والتفسيرات حول الموقف الكتائبي المغرد خارج السرب الآذاري والذي التقى مع الموقف العوني في الجبهة نفسها المعارضة للتمديد بين القائلين ان الكتائب حاولت «حشر» «التيار الوطني الحر» في الزاوية لتفويت الفرصة عليه للتفرد والاستمتاع بالحالة المسيحية وجذب الرأي العام المسيحي، وبين من رأى ان موقف الكتائب لا يعني فقط المزايدة على الرابية بقدر من يعتبر ان الكتائب لا تريد اغضاب بكركي والسير عكس خياراتها او وجهة النظر القائلة ان الكتائب تبحث في خضم المتغيرات عن حيثية او خصوصية خاصة تحاكي الهواجس المسيحية من الاحداث الخطرة.

واذا كان ثمة من راهن ولا يزال يعتبر ان الكتائب لم تحقق الكثير في جولة التمديد وانها لم تكسب كما فعل «التيار الوطني الحر» خصوصاً ان حزب الصيفي لم يكمل المعركة بالطعن امام المجلس الدستوري على اعتبار انه «لا يقدم ولا يؤخر» في ما رُسم للمرحلة المقبلة، فان الكتائب وبحسب مصادر مسيحية تُعبر عن قناعات مختلفة عن السياق الماضي، وبات الحزب في صدد السير في خياراته الجديدة حتى وان كان ذلك على حساب تحالفاته السياسية، فالواضح كما تقول المصادر، في ظروف التمديد وما رافقها ان الكتائب لم تلتزم بإملاءات الحلفاء وتوجهاتهم وما ارادوه في معركة التمديد، كما ان زيارة النائب سامي الجميل الى السعودية لم تثمر كما فعلت زيارة رئيس الهيئة التنفيذية للقوات.

ولكن اذا كان التمديد اصبح من الماضي فان ما تضمره الكتائب للمرحلة القادمة لا يبدو مختلفاً عن السياق الاول تضيف المصادر، فحزب «الله - الوطن والعائلة» يسير في خيارات تدهش حلفاءه وتثير الغرابة وليس سراً ان بعضها يسبب ملاحظات تخرج احياناً الى العلن في انتقادات الحلفاء في مجالسهم السياسية. ولعل زيارة النائب سامي الجميل الى مدينة زحلة خير معبر عن الحالة الكتائبية الخاصة، فسامي الجميل تقصد في نهاية الاسبوع المنصرم زيارة زحلة عاصمة البقاع اطلاق سلسلة مواقف تعبّر عن الواقع الكتائبي وما تنتهجه الكتائب في هذه المرحلة كما وجه رسائل من «عرين» الكتائب الى الحلفاء في الخط السياسي نفسه والى الاخصام ايضا.

فليس سراً، تقول المصادر، ان حزب الكتائب ليس مرتاحاً في علاقته ببعض الحلفاء كما ان علاقته بالاخصام على الساحة المسيحية لم تشهد تطورات ايجابية على المستوى المطلوب، فالحزب يعاني الصراع الوجودي واثبات الذات خصوصا انه يعتبر نفسه الوريث الشرعي للحالة المسيحية التي اسستها الكتائب في الحرب اللبنانية، وهو يعاني من تنامي حالة «التيار الوطني الحر» الشعبية من جهة ومن الصراع الخفي مع معراب التي تحاول دائماً العزف في الصحن الكتائبي واقتناص الفرص من امام الكتائب كما حصل في الانتخابات الرئاسية، فلولا ترشيح جعجع واستمراره في المعركة الرئاسية لمواجهة الجنرال لكانت فرص الرئيس الأعلى ربما افضل مما هي عليه ولكن ترشيح جعجع قطع الطريق على الاثنين، على عون من جهة وعلى امين الجميّل من جهة ثانية.

واذا كان سامي الجميل اطلق من زحلة بالذات مواقف مفاجئة دعت الى انهاء الخصومات المسيحية ومعاملة الخصم المسيحي كالحليف بعد انتهاء ما يسمى 8 و14 آذار فان رسائل الجميل جرى تفسيرها وبحسب المصادر المسيحية، بأن الكتائب تسعى الى التمايز اكثر من حلفائها وعلى الوقوف في الوسط بدل الانحياز الكلي والشامل لـ 14 اذار بدون التفريط بثوابتهما وقناعاتهما المشتركة وعلى الاقتراب ومحاولة ملامسة الواقع العوني وتحسين العلاقة مع «التيار الوطني الحر»، علماً ان الجميل فاجأ الكثيرين بمواقفه التي تتلاقى مع ما يطرحه حزب الله و«التيار الوطني الحر» بضرورة عقد مؤتمر تأسيسي ولو ان الجميل قام بتغيير التعبير وتسمية المؤتمر التأسيسي بمؤتمر الحوار، فالدعوة الى الحوار تلتقي مع ما يريده التيار الوطني الحر وحزب الله في هذه المرحلة. ولكن هل يمكن للكتائب وهي تحاكي الرأي العام الاخر ان تتخلى عن حلفائها وعما اسسته مع 14 آذار؟ تجيب المصادر ان الحالة الكتائبية لا تشبه احداً في 14 اذار، فالحزب يحاول النهوض مجدداً وهو الذي اصيب بانتكاسات كثيرة وتلقى ضربات موجعة في السياسة وفي جسمه الحزبي، ولكن الافتراق الحقيقي عن الحلفاء في «ثورة الارز» غير مطروح وعن «المستقبل» تحديداً الذي سلّف الكتائب كثيراً في وزارة تمام سلام وحيث من المفترض ان التيار الأزرق يتفهم هواجس الكتائب المسيحية.