لا قرار. أقله في الجلسة الأولى التي لم تكن سهلةً على أعضائه. فضغط المجتمع المدني في الخارج لا يساوي ذرّةً من الضغط السياسي الذي يحمّله مسؤولية طرد 127 نائبًا ممدّدًا لنفسه الى منازلهم أو مباركة بقائهم في مقاعدهم. ليس امتحان المجلس الدستوري سهلاً، وما يعقّد المهمّة أكثر أن التئام نصابه بكامل أعضائه العشرة أمس سيدفع أقله أربعة منهم عندما تحزّ الحزّة الى البحث عن الاجتهادات التي تقيهم “شرّ” التصويت إيجاباً لصالح طعن التيار الوطني الحرّ.

ما حصل داخل تلك الكواليس السريّة يبقى داخلها. هي قناعةٌ اتّفق عليها رئيس المجلس القاضي عصام سليمان مع جميع الأعضاء أقله لمدّة شهرٍ يبصر خلالها قرار قبول الطعن أو ردّه النور. لم يكن ما تسرّب سوى قليل جدًا ركونًا الى حقيقة التسريبات الجوهرية التي تشهدها جلساتٌ مغلقة من هذا النوع، فالغمز من قناة “أكاديمية” التقرير وعلى يُتمِها رسم بالنسبة الى بعض المراقبين سيناريو الجلسات المقبلة التي سيتوفّر نصابها ولكن ستغرق في معضلة التصويت.

خشبات خلاص أخرى...

صحيحٌ أن المجلس الدستوري يحتفظ في أدراجه السريّة بتعهّدٍ منذ العام 2013 بعدم تكرار سيناريو التمديد الأول أي بعدم تطيير النصاب، إلا أنّ ذاك التعهّد، ورغم التزام المجلس به فعليًا يوم أمس، لا يعني المضي قدمًا في البتّ في الطعن إيجاباً لصالح إبطال قانون التمديد وإحباط قرار 95 صوتًا من نواب الأمّة. تجاوز حكاية النصاب تلك دفع بالكثيرين الى البحث عن “خشبات الخلاص” الأخرى التي يمكن لبعض الأعضاء استنباطها في اللحظات الأخيرة لإفشال التصويت الإجماعي أو التصويت الأكثري، وعلى رأسها الظروف الأمنية نفسها التي بنى على أسسها مجلس النواب هيكلَ تمديده الثاني.

براغماتية اللاتعويل

لا تعوّل الرابية كثيراً على نفاذ طعنها رغم ثقتها بنزاهة عددٍ كبير من أعضاء المجلس الدستوري ورغم تأكيد مقربيها في غير مناسبة حرصهم على الارتقاء بسمعة هذا المجلس الذي يبدو للكثيرين أنه لم يعد في الإمكان التعويل على أيّ مؤسسة قضائيّة سواه نظراً الى ما يحتضنه من الكفايات”، إلا أن براغماتية أصحاب الطعن تدفعهم أيضًا الى التسليم باستحالة سماح الكتل السياسيّة الممدّدة لنفسها للمجلس العمل بحريّةٍ من دون الضغط على بعض أعضائه القادرين على تعطيله تمامًا كما حصل في حكاية النصاب العام الفائت. فرضيات تدفع بعض العونيين الى وضع سيناريو التئام المجلس بأعضائه جميعهم في خانة “المناورة” تمهيدًا لتعزيز مسوّغات التمديد ضد الطعن أو في أحسن الأحوال الامتناع عن التصويت لصالحه، خصوصًا ان تيار “المستقبل” هو رأس حربة التمديد هذه المرة وبالتالي لا بدّ من إضافة عضوين سُنيَّين الى العضوين الشيعيّين والعضو الدرزي الذين كانوا أبطال التعطيل منذ عام و5 أشهر”.

رزمة الهواجس

في الواقع، ليست الفترة المتبقيّة للمجلس الدستوري لبتّ قراره طويلة، وهو ما يفرض عليه الدعوة بصورةٍ متلاحقة ومكثّفة الى الالتئام لا لمناقشة مضمون الطعن الذي اطلع عليه الأعضاء واتخذوا قرارهم إزاءه سلفاً، بل لاستكمال مغامرة القرار النهائي. وفي هذا المضمار، يؤكد المرجع الدستوري بول مرقص لـ “​صدى البلد​” أننا “لن نركن الى المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيس عصام سليمان أخيرًا بل الى محضر محفوظ في قيود المجلس الدستوري حول اجتماع الأعضاء لاحقًا لإشكالية عدم تأمين النصاب في الطعن الاول، وكان ذلك في تاريخ 31 تموز 2013. وأدلى رئيس المجلس بدلوه في مؤتمره الأخير في حضور جميع الأعضاء الذين كانوا وافقوا على هذا الموضوع، ومذاك الحين أصبح هناك بمثابة تعهّد من هؤلاء الأعضاء بعدم تعطيل النصاب. هذا في المبدأ، أما في التطبيق فإن اجتماع اليوم (أمس) وتوفر النصاب فيه لا يعنيان في الضرورة - ورغم التعهّد المذكور- أن نصاب اجتماعات المجلس سيؤمَّن بالضرورة لأن اجتماع اليوم (أمس) ليس الاجتماع الأخير في هذا الطعن. وبالتالي ليس هناك ما يمنع عدم التئام النصاب في أيّ مرةٍ مقبلة في معرض النظر في هذا الطعن. رغم أنني أستبعد عدم التئام النصاب، ولكن هذه إمكانية ما زالت قائمة في إطار الهواجس المطروحة”.

خشية أخرى...

وشدد مرقص على أن “الخشية الحقيقية هذه المرة ليست من النصاب بل من أمر آخر من باب عدم اتخاذ القرار المناسب لا سمح الله. قد يكون العائق هذه المرة ليس النصاب بل عدم توفر الأكثرية في التصويت، خصوصًا أننا نفرّق بين النصاب Quorum والأكثرية Majorité. لذا ما زلت أخشى، من باب الحرص، أن يطرأ أمر آخر ليس في الحسبان ولا يكون في الضرورة عدم التئام النصاب، على غرار عدم تحقّق الأكثرية أو أي سبب آخر يحول دون قبول الطعن في الشكل أو في الأساس”. ولكن لمَ لم يحدّد القاضي سليمان موعد الجلسة المقبلة؟ يجيب مرقص: “ما زال أمامه متسعٌ من الوقت ليحدّدها. علمًا أن مجموع مختلف الاجتماعات والمهل يؤدي الى أن ينظر المجلس الدستوري في الطعن في مهلة تقارب الشهر، ومردّ الفترة التقريبيّة تلك الى حقيقة أن المجلس يمكن ألا يستنفد بعض المهل حتى نهايتها، كالاجتماع بوتيرة أسرع وتقديم التقرير قبل موعده الأقصى”.

محضر اللاءات...

أحدٌ لا يعلم طبيعة المفاجأة التي يخفيها المجلس الدستوري هذه المرّة. فمتى غدا التئامه واقعًا قد تنحصر اللعبة في عملية التصويت، وإن لم تكن “الحبكة” في مسألة التصويت فالجلسات المقبلة ستُخصَّص أغلب الظنّ للبحث في أكثر الصيغ منطقيةً للخروج بـ “لا” ثانية لطعن التيار، مع أرجحية تصدُّر المشهد الأمني محضر “اللاءات”.