مَن تابع النائب والوزير السابق مروان حمادة يُدلي بشهادته أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، في لاهاي، أذهله هذا الدماغ الناطق، لكن لم يُفاجئه. فإبنُ البيت السياسي والدبلوماسي والأدبي العريق ليس مفاجئاً أن يقف في حضرة التاريخ في لاهاي فيُلقِّنه على مدى أربعة أيام، حتى الآن، تاريخ الحرب في لبنان.

مروان حمادة، تَعِب المدوِّنون في المحكمة ولم تتعب ذاكرته، على مدى أربعة أيام قدَّم شهادة لمرحلةٍ تحتاج إلى أرشيف ووثائق وتدوينات وملاحظات، لكنَّها كانت في رأسه، هذا الرأس الذي سَلِم من الإنفجار الذي استهدفه في خريف العام 2004 ونجا منه، ومنذ ذلك الحين وهو صاحب إسم الشهيد الحي.

مروان حمادة في شهادته أمام المحكمة الدولية على مدى أربعة أيام، لم يُقدِّم مجرد شهادة، بل أرَّخ لمرحلةٍ لا يجرؤ كثيرون ليس على تأريخها فحسب بل على تذكُّرِها.

على قاعدة أشهدُ أنِّي بلَّغت، وكأنَّه كان ينتظر تلك اللحظة منذ عشرة أعوام، قدَّم مروان حمادة ما يمكن وصفه بمذكراته، وبحسب العالِمين فمن غير المستبعد أن تُطبَع هذه الشهادة وتُقدَّم في كتاب تحمله الأجيال في ذاكرتها لئلا تضيع حقبةٌ، هي من أهمِّ الحِقَب في تاريخ لبنان.

كانت المحكمة تعرف مَن يقف أمامها، فهو ليس شخصاً عادياً بل مميزٌ بامتياز:

قرَأَتْ سيرتَهُ قبل الإستماع إليه:

إبن السفير والدبلوماسي العريق محمد علي حمادة، حاصل على إجازة في الحقوق من جامعة القديس يوسف في لبنان عام 1963، وكذلك على شهادة في العلوم الإقتصادية.

ما بين 1964 و1965 مارس العمل الصحافي، في صحيفة لوجور، ثم عمل مساعداً لرئيس التحرير، كما راسل مجلة لوبوان الفرنسية.

هو في المعترك السياسي، نيابياً ووزارياً منذ أكثر من ربع قرن، عايش كبيرَيْن من لبنان وشَهِد على استشهادهما:

كمال جنبلاط ورفيق الحريري، ومن باب الوفاء الوطني بقي إلى جانب ولديهما سعد الحريري ووليد جنبلاط.

أربعون عاماً في أربعة أيام، تسمَّر اللبنانيون أمام شاشات التلفزة ليسمعوا رواية التاريخ، لم يترك مروان حمادة تفصيلاً صغيراً إلا وتطرَّق إليه، أنعش ذاكرة اللبنانيين، فمنهم من عايش تلك المرحلة لكنَّه لم يعد يتذكرها بدقائقها، ومنهم مَن لم يعِشها لكنَّه بعد رواية مروان حمادة شعر وكأنَّه كان في قلبها.

وكما أنعش ذاكرة اللبنانيين فإنَّه أعاد الإعتبار إلى روح ثورة الأرز و14 آذار، فأظهر بدقائق ووقائع وتفاصيل أنَّ ثورة الأرز لم تكن لحظة عابرة في التاريخ، بل هي تحوُّل صوَّب التاريخ الذي كاد أن ينحرف في أعوام الحرب.

لم يكن ما قاله مروان حمادة مجرد شهادة بل تهيئة للمرحلة المقبلة، في كانون الأول، حيث سيكون إستجوابه لصيقاً بزلزال السان جورج.

وأكثر من ذلك فإنَّ الشهادة لم تكتمل بعد، إذ من المحتمل أن تطلب المحكمة مواصلة الإستماع إليه كذلك إلى آخرين من سياسيين وإعلاميين، لكنَّ أهمية شهادة مروان حمادة أنّها وضعت سقفاً عالياً والذين سيأتون بعده في تقديم شهاداتهم لن ينخفضوا عنه.

مروان حمادة، شرَّفت المحكمة وأعدت الإعتبار إلى الإنتفاضة اللبنانية، وشرَّفت حاضر اللبنانيين وجعلت التاريخ الذي قدَّمته هِدايةً لهم في المستقبل.

تحية لكَ.