يتحرك المقدسيون بعفوية بطولية لا مثيل لها. يتصرفون بمقتضى إيمانهم وحقهم وشهامتهم. يتجاوزون المحن ويتعالون على الجراح بهمة من يريد أن يصنع مصيره ومستقبله، بعدما يئسوا من ضمير عربي معطل، ونظرة من المسلمين باردةٍ عديمة الوعي والمسؤولية.

خرج المقدسيون بعدما وجدوا أنه لم يعد ثمة مقاييس وثوابت عربية وإسلامية يمكن من خلالها أن يستعيدوا حريتهم وأرضهم، إذ لم تستطع العوامل الخارجية كسر العنجهية «الإسرائيلية» واحتواء السياسات الرعناء لزعماء يقدسون الإرهاب بسبب معتقداتهم وخيلائهم التي لا حدود لتطرفها على رغم كل المؤتمرات التي عقدت في سبيل الوصول إلى تسوية نهائية للصراع شاركت فيها دول عربية وإسلامية وبرعاية أممية وغربية كبيرة، حيث لم تكن المحصلة سوى المزيد من الظلم والقهر والضغوط على الفلسطينيين. وعليه جاءت العمليات الفدائية ومنها عملية اقتحام الكنيس اليهودي لتثبت للعدو «الإسرائيلي» أن لا إمكانية له لمواصلة احتلاله وإرهابه وطغيانه، وأن لا موطئ قدمٍ لأي صهيوني في أرض فلسطين مهما طال الزمن، وأن الشعب الفلسطيني باق على خيار المقاومة كخيار استراتيجي وأخلاقي ووطني لتحرير أرضه. هنا نجد الفارق الكبير بين الوعي الرسمي والوعي الشعبي، بين أهل الأرض الحقيقيين وأهل السياسة المزيفين، بين من يأبى الخضوع والارتهان حتى لو هدم بيته فوق رأسه وبين من يفضل قاعات الفنادق الفخمة ومآكلها ولو جرت الهوان والذل!. نلاحظ في هذا الإطار أن القيادات الفلسطينية الرسمية أمام ما يجري من تطورات تجد نفسها بمثابة حواضر معزولة محدودة الدور والوظيفة والموقف. صمتها يعتبر أمراً كارثياً على المستوى النفسي والأخلاقي والوطني. هبوطها أكثر من مروع أمام شجاعة الشباب المقدسيين، ولم تعد كل شعاراتها التي رفعتها ردحاً تسووياً طويلاً قابلاً لشروط التحولات المدوية في المنطقة والعالم. وبالتالي على هذه القيادات أن تعلم أن لا فكاك لها من حال العزلة والمحدودية وضيق الأفق إلا بالالتحاق بهؤلاء الشباب والشابات الذين يتحدّون كل الإجراءات التعسفية والقمعية ويختارون الموت على البقاء أبد الدهر أذلاء.

نعم، اختلاجات التحول الداخلي الفلسطيني تشدّنا برباط وثيق إلى الغد الذي نرى فيه فلسطين محررة بالكامل.

ولا شك أن العمليات البطولية في القدس سواء جاءت عبر «الدهس» أو «الطعن» أو بإطلاق الرصاص تجعلنا نتوق من جديد للبحث عن معنى وجودنا كأمة لا تستطيع أن تطمئن لكرامتها وأمنها واستقرارها إلا بالمقاومة!.