ينطلق رئيس مجلس النواب نبيه بري في مبادرته لإعادة عجلة الحوار بين القوى السياسية اللبنانية كافة مرتكزا على التقارب الممكن بين تيار المستقبل وحزب الله، الذي تؤسس له الإجتماعات بين وزير المالية علي حسن خليل والسيد نادر الحريري، مستشار رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، مرتكزا على أن الأحداث الاقليمية والدولية تجعل الدول المؤثرة غائبة عن متابعة الواقع اللبناني بما يعني ان لا احد مهتم فينا، ما يملي على القوى السياسية لتؤسس تحالف فيما بينها تحت سقف هذا الإنشغال الدولي عن لبنان.

ولذلك، فإن رئيس مجلس النواب يدفع في هذا الحوار تحت سقف الممكن إذا ما نجحت خطوة التواصل بين المستقبل وحزب الله على خلفية اللقاءات التأسيسية التي يحضر لها علي حسن خليل ونادر الحريري.

فالواقعية في منطق بري حسب الأوساط المطلعة تقضي بأن يتفهم الأفرقاء المؤثرون بأن ثمة قرارات وخطوات على غرارمشاركة حزب الله في سوريا، يفترض عدم التركيز عليها لإنجاح هذا الحوار، نظرا لأبعاد هذه الخطوة وارتباطها بالصراع الإقليمي الذي يسعى بري لإبعاد تداعياته عن الساحة اللبنانية وعزل الداخل المحلي عن تردداته السلبية من أجل تعزيز الاستقرار السياسي والأمني.

فالهدف الأول للحوار حسب الأوساط يكمن في التركيز على الإستحقاق الرئاسي وإخراجه من الفراغ المحيط به، سيما أن رئيس مجلس النواب يكرر بأن انتخاب رئيس للجمهورية يعيد الانتظام لعمل المؤسسات ويشكل ضمانة لها، ولذلك فإن مساعيه للحوار تركز على الواقعية لإرساء تفاهم ممكن يؤمن أقله تطويقا لتنامي حالات التشنج والمذهبية التي تخيم على البلاد، بحيث ان اندفاعه هذا الذي يتلاقى ايضا مع رغبة رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط تؤدي مفاعيله الى تفاهمات تريح جميع القوى السياسية وتمكن لبنان من العبور بين تطورات المنطقة بأقل ضرر ممكن.

وبذلك يكون الحوار «ذو الإنتاج المحلي للحلول»، بداية لمرحلة إيجابية في ظل الإنشغال الدولي والإقليمي بملفات تفرض ذاتها على هذه المراجع. وحيال المواقف الأخيرة العالية السقف لتكتل التغيير والإصلاح ، وتأثيرها على مسار التحضير للحوار، تجد الأوساط أن العماد ميشال عون يظهر وكأنه يتوجه لترجمة قرار طوعي بالابتعاد عن القوى السياسية كافة، في وقت كل الأطراف بما فيها رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع يندفعون نحو الانفتاح والتفاعل مع الآخرين.

فالحجم السياسي والشعبي والنيابي للعماد عون وكتلته الذي لديه «كتلة طويلة عريضة»وفق الاوساط تجعل من غير الممكن تجاوزه ، لكن في الوقت ذاته يجب عليه ألا يظهر وكأنه يقاطع حركة السلطة على غرار عدم مشاركته في جلسة التمديد للمجلس النيابي ورفضه لهذا الخيار، إلى حد إنكاره شرعية البرلمان الذي لا يزال ونوابه ينضوون به في حين انه مرشح رئاسي ولا يمكن انتخابه رئيسا دون الكلمة النهائية لنواب الهيئة العامة لهذه المؤسسة التشريعية المفترض ان تكون مستوفات الشروط الدستورية التي يشكك بها.

وتكمل الأوساط بأن مسار التحضير للحوار انطلق نتيجة النوايا الإيجابية للفرقاء والاستعدادات الجدية لمعظم القوى التي كان لها دور في محطات سابقة، ولكن يبقى من الضروري التركيز على ما سيعلنه الرئيس الحريري من مواقف في هذا الإتجاه مساء الخميس المقبل لكون مواقفه من شأنها أن تشكل نقاط تقارب أو تباعد في هذا المنحى الذي يؤدي إلى إنجاح الحوار تحت سقف الأزمات الإقليمية والدولية.

وفي المقابل تلفت أوساط في «تيار المستقبل» بأن الرئيس الحريري كان ولا يزال يقدم إنجاز الاستحقاق الرئاسي على اي ملفات اخرى وان كانت حساسة ولذلك تحمل وزر التمديد وما احاط به من إشكالات لكونه يعتبر ان مغادرة الفراغ هو تحد في حد ذاته على عاتق كل القوى السياسية وعندما تحاور مع العماد عون كان يهدف لعبور هذه المحطة الرئاسية بسلاسة إنما الذي واجهه رئيس تكتل التغيير والإصلاح من معوقات لا يمكن تحميلها لتيار المستقبل او لوزير الخارجية السعودي سعود الفيصل الذي كلف سفير المملكة في لبنان علي عوض عسيري التحاور معه ،بل هي نتيجة مجموعة عوامل توزعت بين عدم قبول مسيحيي 14 اذار بوصوله، في موازاة عدم اندفاع حلفائه اضافة الى مواقفه السياسية التي لم تحمل اي تمايز تكتيكي حيال قتال حزب الله في سوريا ام عدم تأييد مطلق للرئيس السوري بشار الاسد بل هو اندفع في هذا الاتجاه مراهنا على ان فوز هذا المحور سيؤدي لانتخابه رئيساً للجمهورية.

لكن اي حوار من شأنه ان يوصل الى انتخاب رئيس للجمهورية غير رئيس تكتل التغيير والإصلاح هو امر لا يعني العماد ميشال عون وفق مقربين منه لكون الرجل «مرشحاً ومرشحاً ومرشحاً حتى قيام الساعة» وذلك انطلاقا من التزامه تجاه ناخبيه الذين منحوه الثقة على مواقفه ولذلك ان تخليه عن الأمانة هذه معناه التفريط بحقوقهم ،لكن العماد عون يتابع المقربون من الممكن ان يتراجع عن ترشحه اذا ما تم ادراج آلية واضحة وحاسمة في الدستور تشكل منعا للفراغ الرئاسي كان عبر عنها سابقا وكذلك في حال قبول القوى الرافضة لعودته الى قصر بعبدا رئيساً بقانون انتخابي يؤمن المناصفة الكاملة على غرار الطرح الأرثوذكسي الذي يعيد للمسيحيين حقوقهم بحيث سيكون هذا المطلب النيابي احد المطالب الدائمة والثابتة للتيار الوطني في اي زمان ومكان ولذلك فان القوى الرافضة لانتخابه لن تحقق هذه المطالب وهو في المقابل لن يقبل بإخراج ذاته طوعا لانتخاب رئيس يستكمل ألانهيار المسيحي.

وفي منطق العماد عون يكمل المقربون، انه في حال عدم توصل الأقطاب الأربعة حاليا الى حماية حقوق المسيحيين من خلال قانون انتخابي يؤمن المناصفة الفعلية، فان هذا المطلب لم يتحقق لاحقا بل سيكون المسيحيون امام حالة نزف تؤدي الى ذوبانهم وجعلهم رهائن في هذا الوطن.