بدأت تتوضح شيئاً فشيئاً الاسباب التي تدفع رئيس مجلس النواب نبيه بري الى التفاؤل الرئاسي، اذ يحكى في بعض المجالس السياسية الضيقة ان الايجابية التي تلوح في الافق مردها الى عودة التداول بـ"حصان الرئاسة الاسود" حاكم مصرف لبنان رياض سلامة كمرشح توافقي- تسوية. للخروج بحل وسط بين المرشحين الموارنة الاقطاب الثلاثة: العماد ميشال عون والرئيس امين الجميل والدكتور سمير جعجع والرابع النائب سليمان فرنجية (الذي يترشح اذا انسحب عون). وتعود قصة بروز اسم سلامة الى بورصة التداول الى بضعة اشهر خلت وفي خضم محاولة تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام، حيث زار الوزير وائل ابو فاعور السعودية موفداً من النائب وليد جنبلاط للقاء الرئيس سعد الحريري وتم البحث في إمكانية تسهيل تشكيل الحكومة والوقوف على رأي القيادة السعودية من هذه التشكيلة. وفي متون الحديث ايضاً تم التطرق الى إمكانية انتخاب الرئيس العتيد وقبل إنتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان وتم التداول في اسم سلامة والوزير السابق جان عبيد. وقد سمع ابو فاعور كلاماً من الحريري بتفضيل السعودية سلامة وميلها اليه.

ولدى عودة ابو فاعور الى بيروت حاول النائب وليد جنبلاط تسويق اسم سلامة ونقل الى الافرقاء كافة بالواسطة او مباشرة الرغبة السعودية بسلامة وان مزيداً من الجهد الداخلي يكفي التوافق عليه لا سيما ان القيادتين الايرانية والسورية لا تضعان "فيتو" على اسمه اذا توافق اللبنانيون عليه. لكن حساب البيدر وقتها لم يتوافق مع حساب الحقل فدخلت البلاد في الشغور الرئاسي بعد تصلب القيادات المارونية بشدة في وجه اي مرشح من خارج الاقطاب الاربعة. منذ اسابيع عاد اسم سلامة الى التداول مجدداً وعبر حلفاء السعودية وجوبه الاسم مرة جديدة بطروحات مسيحية رئاسية ونيابية من بوابة تسهيل الاستحقاق الرئاسي لكنها لم تخرج من إطار تسويق كل من المرشحين الثلاثة (عون والجميل وجعجع) انفسهم كمرشحين واصحاب مبادرات وحلول. ووفق مصادر متابعة لهذا الحراك فإن التصلب الماروني لا ينطلق من استبعاد كل واحد من هؤلاء الثلاثة الآخر عن السباق الرئاسي، فحسب بل ايضاً من ان لكل واحد منهم ارضية وفاعلية وحيثية شعبية وحزبية فكل منهم لديه حزب ومنتسبون ومناصرون وقاعدة شعبية واسعة ولديه تمثيل نيابي ووزاري حالي وسابق وعلى عكس ميشال سليمان الذي لم يكن له اي من هذه الارضيات قبل الرئاسة وخلالها ولن يكون له بعدها. ومن هذه الارضيات ينطلق كل مرشح منهم وعليه لم يتجاوب القادة الموارنة الاربعة مع كل طروحات بكركي ومحاولات جمعها والاتفاق في ما بينهم على الالتزام بالنزول الى مجلس النواب والمفاضلة في ما بينهم حسب الاصوات التي ينالها كل منهم فمن يحوز الاصوات الاقل ينسحب لصالح صاحب الاصوات الاعلى وهكذا دواليك حتى تنحصر المنافسة بين اسمين. لكن ما حصل كان معاكساً لما تم الاتفاق عليه في بكركي اذ طار نصاب الجلسة الثانية بعد ترشح جعجع والنائب هنري حلو والورقة البيضاء في جلسة اولى انعقدت ولم ينعقد غيرها بعد.

وتتطرق هذه المصادر الى كل المبادرات الرئاسية التي طرحها مسيحيو 14 آذار في مبادرة اولى وثانية طرحها الوزير بطرس حرب والنائب دوري شمعون وليس آخرها مبادرة جعجع والجميل وبينهما مبادرة عون. وتعتقد المصادر ان هذه المبادرات لا قابلية لها للعيش ولن تؤثر على مسار الاستحقاق الرئاسي الذي بات خارج ايدي كل اللبنانيين فلو شاء القدر ان يتفق المسيحيون والموارنة الاقطاب تحديداً لكانوا اختاروا المرشح الاقوى من بينهم والاكثر تمثيلاً وكان للبنان رئيس قبل رحيل ميشال سليمان عن بعبدا ولم ندخل في شغور لساعة واحدة. وبما ان الاتفاق الماروني على اسم واحد أمر مستحيل في الماضي والحاضر والمستقبل لن يكون لكل ما يطرح من مبادرات تصدر عنهم ليسوق كل منهم نفسه وهذا حقه الطبيعي ومن حق اي واحد منهم ان يجلس على كرسي بعبدا لكن الحق شيء وامكانية تحقيق او تحصيل هذا الحق شيء آخر.

وتكاد المصادر تجزم بأن كل ما يحكى عن مبادرات رئاسية داخلية او اجواء ايجابية مستقاة من الخارج ما هو الا كلام تبريدي للساحة السياسية والشعبية فحتى الوصول الى اسم توافقي ليس ممكناً طالما ان الحلول الاقليمية في المنطقة لم تنضج بعد. وحتى الرهان على ايجابية من فيينا والتعويل على اتفاق بين ايران والدول الست حتى ولو تم بالامس ولم تمدد المفاوضات بضعة اشهر لن يقرّش لبنانياً في ظل انسداد الافق في العلاقة بين ايران والسعودية. وعليه يبقى الاقطاب الثلاثة على سلاحهم وبينهم اسم توافقي ينتظر ان تصبح طريق طهران الرياض سالكة!