خارج السياق بدا الموقف السعودي المُطالب بإدراج "حزب الله" على لائحة "المنظمات الإرهابية"(1)، ومن على منبر الأمم المتحدة على وجه التحديد..

خارج السياق بدا هذا الموقف، ليس فقط كونه صدر عن دولةٍ عربيةٍ لا عن إسرائيل أو الولايات المتحدة الأميركية، بل لأنه أتى في وقت تتجه فيه "رياح المنطقة" بثبات نحو "الهدوء"، دون أن يبدو واضحًا حتى الساعة ما إذا كان "هدوء ما قبل العاصفة" أم لا، وفي وقتٍ تُجهَّز في الداخل أرضية ممكنة لحوار "مفترض" بين الحزب وتيار "المستقبل".

هواجس وقلق..

للوهلة الأولى، استغرب المراقبون "التوقيت المريب" للموقف السعودي التصعيدي، كما قالوا، فهو يأتي في وقتٍ يسود المنطقة "هدوءٌ حذرٌ" لا تخرقه سوى "طبول الحوار" في أكثر من بقعةٍ من العالم، وما الحوار الإيراني الغربي سوى عيّنة بسيطة، وهو الذي انتهى إلى "تمديدٍ تقني" جديد خلال الساعات الماضية.

من هنا، تنطلق مصادر سياسية متابعة لتضع الموقف السعودي في سياق "الكباش الإقليمي"، متحدثة عن "هواجس" سعودية لم تعد بخافية على أحد، هواجس يعمّقها القلق المتنامي لدى القيادة السعودية من إمكانية الوصول إلى اتفاق في المفاوضات الدائرة حول الملف النووي الإيراني، الأمر الذي من شأنه تحطيم الآمال التي لا يزال البعض يعقدها في تشديد الحصار على إيران.

وتوضح هذه المصادر أنّ السعودية، التي ربطت مصالحها في المنطقة بالمصالح الأميركية، تشعر اليوم بخوف كبير من أن يتخلى عنها الطرف الأميركي في حال توصّله لمثل هذا الاتفاق، وبالتالي فإنّ لديها هاجسًا مشروعًا من تراجع دورها على الصعيد الإقليمي، وهو ما يربطه المراقبون أيضًا بتطورات "البيت الخليجي" بعد ما يمكن أن يُسمّى بـ"التمرّد القطري"، الذي وإن تمّت "لفلفته" مؤخرًا، يبقى مرشحًا للعودة إلى الواجهة في أيّ لحظة.

خيبة أمل..

برأي المصادر، فإنّ الأمر لا يقف عند حدود القلق السعودي المشروع، بل يصل لحدّ "خيبة الأمل" التي تعتري القيادة السعودية، في ضوء فشل مشروعها في سوريا، وعدم قدرتها على "المونة" على من تعتبرهم "حلفاءها" على هذا الصعيد. وتوضح أنّ السعودية، التي دخلت كجزءٍ أساسي من التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، كانت تريد أن يكون مثل هذا التحالف مصوّبًا باتجاه النظام السوري، انطلاقاً من قناعة راسخة لدى السعوديين بأنّ ما يسمّونه "إرهاب النظام السوري" لا يقلّ شأنًا عن "إرهاب" التنظيمات المتطرّفة.

وإذا كان هناك من يتهم السعودية بدعم بعض هذه التنظيمات وتمويلها بشكلٍ أو بآخر، أو أنها على الأقل تدعمها في سوريا طالما أنها تحارب نظام الرئيس بشار الأسد، وتعارضها في العراق القريب منها خوفًا من امتدادها إلى أراضيها، فإنّ المصادر لا تتبنى هذه الاتهامات صراحة، ولكنها تذكّر بانسحاب السعودية من مجلس الأمن(2)اعتراضًا على "تقاعس" المجتمع الدولي في سوريا، وهو موقفٌ يعبّر عن نفسه بنفسه، وفق المصادر.

هل دُفن حوار الداخل؟

وبعيدًا عن القراءات الإقليمية، لم ينزل الموقف السعودي لا بردًا ولا سلامًا في الداخل اللبناني، بل إنّ البعض ذهب في قراءته له إلى حدّ القول أنه "فجّر" الحوار بين "تيار المستقبل" و"حزب الله"، والذي كان العمل سائرًا على قدم وساق لإنضاجه ورسم آلياته.

على خط قوى الثامن من آذار، فإنّ أيّ "انفجارٍ" من هذا النوع لم يحصل، أقلّه من جانبها، وهي تشدّد على أنه لا يمكن اعتبار خطاب المندوب السعودي أكثر من "فقاعة صوتية" لا تقدّم ولا تؤخر، لأن هذا الخطاب ليس له أي تأثير عملي في ظل الرد الذي سمعه في المجلس، وفي ظل موازين القوى في قلب هذه المؤسسة الدولية، مع تسجيل "استهجانها" لـ"تطوّع" الجانب السعودي لتقديم "خدمة جليلة لإسرائيل التي سعت ردحاً طويلاً من الزمن من أجل ربط حزب الله بالإرهاب"، على حدّ تعبيرها.

وتحيل مصادر "8 آذار" علامات الاستفهام حول مصير الحوار إلى "تيار المستقبل"، الذي تقرأ مصادره في مقاربة الموضوع من هذه الزاوية "تضخيمًا مبالغا فيه". ترفض المصادر الغوص في خلفيات الخطوة السعودية، لكنها تدعو لوضعها في إطارها الموضعي، "فهي مرتبطة بالدور الذي يلعبه الحزب في سوريا ولا علاقة لها بالشأن الداخلي لا من قريب ولا من بعيد".

وبحسب مصادر "المستقبل"، فإنّ ما يعيق انطلاقة الحوار هو شأنٌ داخليٌ محض، مرتبط بالآليات والقواعد التي يجدر الاتفاق عليها، خصوصًا أنّ التيار يرفض أن يكون "الحوار من أجل الحوار"، أو لتمرير الوقت وملء الفراغ، بل يجب أن يكون حوارًا مثمرًا يؤدّي إلى نتائج عملية على الأرض، وبالتالي فإنّ المصادر تجزم أنّ السعودية لا تقف في وجه مثل هذا الحوار، بل هي تشجّعه كما تشجّع دومًا كلّ محاولات التلاقي بين اللبنانيين.

في مطلق الأحوال، يبقى الأكيد أنّ لبنان بات، عن سابق تصوّر وتصميم، جزءًا أساسيًا من "البازار الإقليمي"، ما يدفع الكثيرين لاعتبار الخطوة السعودية مجرّد "رسالة" أرادت المملكة إيصالها إلى من يعنيهم الأمر، ولا سيما أولئك الجالسين على طاولة المفاوضات، دون أيّ مراعاةٍ لهواجسها ومخاوفها.

وسواء وصلت الرسالة أم لم تصل، يبقى من الضروري بمكان أن لا تجد "ترجمات" في لبنان، من النوع الذي لا تتحمله التركيبة اللبنانية الحالية، والتي تبقى "هشة" حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولا!

(1)دعا مندوب السعودية لدى الأمم المتحدة عبدالله المعلمي مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي إلى إدراج "حزب الله" على "قائمة المنظمات الإرهابية". وفي جلسة خاصة لمناقشة الإرهاب، طالب المعلمي بمعاقبة الحزب وتنظيمات عدة من بينها "لواء أبي الفضل العباس" و"عصائب أهل الحق" وغيرها من "التنظيمات الإرهابية التي تقاتل في سوريا".

(2)في 18-10-2013، أعلنت السعودية اعتذارها عن عدم قبول عضويتها في مجلس الأمن الدولي، بعد يوم من انتخابها لشغل مقعد غير دائم، وذلك بسبب "ازدواجية المعايير" في المجلس، وفشله خصوصاً في حل القضية الفلسطينية والنزاع السوري، وجعل الشرق الأوسط خالياً من أسلحة الدمار الشامل.