مواقف فضل شاكر ضد الجيش تجعله ضيفاً ثقيلاً على «عاصمة الشتات الفلسطيني»

أحمد الأسير حطَّ رحاله في تركيا

تلتقي جملة من المصالح بالتركيز على الواقع الأمني الفلسطيني، ومحاولة زجّه في أتون الخلافات الداخلية اللبنانية، انطلاقاً من مخيّم عين الحلوة، لما له من رمزية في قضية اللاجئين كونه «عاصمة الشتات الفلسطيني»، التي كانت في مثل هذه الأيام من عام 1947 شاهدة على صدور القرار 181، القاضي بتقسيم فلسطين بين الفلسطينيين واليهود، وبات المخيّم المكان الأكثر استحواذاً إعلامياً للصق أي من التهم به، تنفيذاً لـ «سيناريوهات» متعدّدة يتم تجديدها بين الحين والآخر بما يتوافق مع متطلّبات المرحلة...

ما يكاد يطفو ملف من الملفات على الساحة اللبنانية، حتى تُوجّه الأنظار مجدّداً إلى الواقع الفلسطيني، وتحديداً مخيّم عين الحلوة، للفت الأنظار عمّا يجري في مناطق أخرى، بحيث يصبح الخبر عن المخيّم في صدارة عناوين بعض وسائل الإعلام، قبل أنْ تتبيّن حقيقة عدم صحة الكثير من هذه الأخبار، التي تأتي دائماً بعد ترويج سفارات وأجهزة أجنبية لها، منها أنّ مطلوبين وفارين من وجه العدالة تواروا عن الأنظار، والمكان الآمن هو مخيّم عين الحلوة...، ومَنْ يسمع ذلك يعتقد بأنّ الحديث هو عن مساحة جغرافية شاسعة تمتد إلى مئات آلاف الكيلومترات، وليس الأمر مقتصراً فقط على حوالى 1.5 كلم2 يعيش فيها أكثر من 100 ألف لاجئ فلسطيني زادت معاناتهم مع توافد النازحين الفلسطينيين من سوريا...

يبدو أنّ هناك مَنْ يصر على محاولة الإيقاع بين الجيش اللبناني والمخيّمات الفلسطينية لتحقيق مآرب خاصة، وذلك بعد العلاقات المميّزة التي سُجِّلَتْ بين الجيش بقيادة العماد جان قهوجي والقيادات والفصائل والقوى الفلسطينية، والتي تُعتبر في أوج التنسيق، ما حقّق مصلحة الطرفين اللبناني والفلسطيني أمناً واستقراراً داخل المخيّمات وعلى الساحة اللبنانية، حيث أتى ذلك أيضاً ترجمة عملانية للدور الذي قام به مدير عام الأمن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم ، في مثل هذه الأيام من العام 2006، عندما كان رئيساً لفرع مخابرات الجيش اللبناني في الجنوب، حيث فتح صفحة جديدة من العلاقات اللبنانية – الفلسطينية، تُرجِمَتْ إيجاباً في أكثر من مكان، وأيضاً بفضل العناية الخاصة التي يوليها مدير مخابرات الجيش اللبناني العميد الركن إدمون فاضل بالتعاطي مع الملف الفلسطيني، لتفكيك العديد من الأفخاخ وإبطال مفاعيل الصواعق قبل انفجارها...

بات مطلوباً من الفصائل والقوى واللجان الفلسطينية وأبناء المخيّم دائماً الدفاع وإثبات عدم صحة هذه الأخبار وتقارير «المخبرين»، وليس العكس بإثبات مَنْ يوجّه الاتهام صحّة ودقة المعلومات التي يبثّها، وهو ما يشير إلى أنّ هناك مَنْ يتضرّر من حالة الأمن والاستتباب في المخيّمات، وتحديداً مخيّم عين الحلوة، خاصة بعد نجاح «القوّة الأمنية المشتركة» في المخيّم بقيادة العميد خالد الشايب، التي تشكّلت بمشاركة مختلف الفصائل والقوى الفلسطينية وطنية وإسلامية، حيث أثبتت هذه القوّة منذ انتشارها (8 تموز 2014) فعاليتها، وتم رفع عديدها ليصل إلى 225 بين ضابط وعنصر، بدلاً من 150 كما كان مقرراً، وبوشرت التحضيرات من أجل تعميمها على المخيّمات الفلسطينية الأخرى، حيث تُجرى التحضيرات للمباشرة بها في مخيّم المية ومية، ثم مخيّمات بيروت ومنطقة صور...

وجديد الملفات الحديث عن دخول المطلوب للعدالة شادي المولوي وعائلته إلى مخيّم عين الحلوة، وذلك بعد أحاديث سابقة عن تواري إمام «مسجد بلال بن رباح» الفار من وجه العدالة الشيخ أحمد الأسير أيضاً إلى المخيّم، فيما تأكد أن الفنان المعتزل المطلوب للعدالة فضل شاكر موجود داخل المخيّم.

«دولة» المخبرين

وفي محاولة لإلقاء الضوء على هذه «الألغاز» المتنقلة، لا بد من العودة بالذاكرة إلى محطات سابقة كانت توجّه فيها الأنظار إلى المخيّم أيضاً، استناداً إلى تقارير مخبرين، تبيّن في الكثير منها عدم دقّة وصحّة المعلومات، ولكن بعد فوات الأوان...

تكثر بين الحين والآخر تقارير «المخبرين» ضعفاء النفوس، الذين يسارعون إلى إعطاء معلومات لعدد من الأجهزة الأمنية اللبنانية والفلسطينية والعربية والأجنبية وإلى كل مَنْ يريد، وذلك من خلال «دولتهم» في المخيّم، تحت عناوين متعدّدة، سواء بشكل فردي، أو استغلالاً لجمعيات، أو هيئات وصفات متعدّدة، أو متصلين بسفارات أجنبية أو إلى ما أبعد من ذلك مع «الموساد» الإسرائيلي.

الكثير من الأخبار الملفّقة التي يقوم «المخبرون» يتم نسجها أو تسريبها لأهداف شخصية أو غايات محدّدة، تتّضح عدم صحتها، وهو ما بات ضرورياً أنْ يتّخذ المسؤولون الأمنيون قرارات قبل التعامل مع هذه المعلومات، سواء من خلال تقاطعها مع معلومات أخرى أو التحقّق من ذلك قبل الإسراع إلى تعميمها وتحويلها إلى وثائق، تؤدي إلى تراكم ملفات المطلوبين، والتي يصعب حلّها، أو تحتاج إلى وقت كبير، وهو ما حصل في العديد من الملفات التي سلّم البعض أنفسهم، وفاق عددهم الـ 100 مطلوب، وتبيّن أنّ الأحكام أو البلاغات الصادرة بحقهم هي جراء «إخباريات» مُفبركة، وأخبار واهية يقف خلفها «مخبرون»، وكانت لتحقيق مآرب شخصية، سواء لإدخال مواد بناء، أو تسهيلات، أو هناك تضارب مصالح، وما إلى ذلك، ويكون الضحية الكثير من الأبرياء، الذين يتم توقيفهم وتحويلهم للمحاكمة قبل اتضاح الحقيقة، وهو ما أدّى إلى تزايد أعداد المطلوبين الذين فاق عددهم الـ 2500، بين صادرة بحقهم أحكام قضائية غيابية أو بلاغات بحثٍ وتحرٍ أو وثائق، وحتى البعض ممَّنْ أنهوا محكومياتهم ما زالت الوثائق الصادرة بحقهم سارية المفعول، من دون أنْ يتم سحبها، ولدى التوقيف يجب إثبات أنّه نال البراءة أو نفّذ محكوميته في هذه القضية، وهذا الأمر يؤدي إلى استفادة بعض «المتربّصين» شراً لمثل هؤلاء المطلوبين بجنح، فيستفيدوا من هذا الواقع، ويتم تحويلهم إلى مطلوبين بقضايا جنائية بعد تنفيذ أعمالٍ تصنف في خانة الإرهاب.

«وشايات» واهية

إذن، دائماً التهمة جاهزة باتجاه مخيّم عين الحلوة، وفي استعراض لعدد من القضايا يتبيّن عدم حقيقة ذلك، ومنها على سبيل الاستعراض وليس الحصر:

- لدى محاولة اغتيال وزير الدفاع اللبناني الأسبق إلياس المر (12 تموز 2005)، وُجِّهَتْ سريعاً الاتهامات إلى أنّ المُخطِّط لجريمة التفجير يُدعى «أبو صيام» موجود داخل مخيّم عين الحلوة، لكن بعد التحقيقات تبيّن أنّ المعني بذلك هو نصر أبو صيام من التابعية الأردنية، وموقوفً من قِبل القضاء اللبناني في «سجن رومية» منذ 16 حزيران 1999، بعد مشاركته في سرقة فرع «بنك بيروت للتجارة» في الدامور، حيث تم لاحقاً توقيف «الواشي» (م.خ.) ببلاغٍ كاذب.

- مع الإعلان عن تواجد قائد «كتائب عبدالله عزام» ماجد الماجد (مواليد 1973) على الساحة اللبنانية، وُجِّهّتْ الاتهامات إلى أنّه موجود في مخيّم عين الحلوة، لكن عندما تم توقيفه بعد مغادرته «مستشفى المقاصد» في بيروت، تبيّن أنّه عندما أُدخل إلى المستشفى لم يكن في المخيّم، بل أُحضر من عرسال قبل أنْ توقفه مخابرات الجيش اللبناني (27 كانون الأول 2013) ويُعلن عن وفاته (4 كانون الثاني 2014)، حيث اعترف خالد حسين الحاج بأنّه هو من نقل الماجد من البقاع إلى بيروت.

- أيضاً الشائعات عن أنّ «أبو سيّاف» الأنصاري موجود في مخيّم عين الحلوة، وأنّ الفيديو الذي أعلن فيه مبايعة أمير تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» أبي بكر البغدادي سُجِّلَ في المخيّم وليس من طرابلس، وتبيّن لاحقاً عدم دقة ذلك.

- وكذلك عندما أُعلِنَ عن أنّ أحد أخطر المطلوبين عبد الغني علي جوهر (مواليد 1983)، قد فرَّ إلى مخيّم عين الحلوة بعدما وُجِّهَتْ إليه الاتهامات بالضلوع في ثلاثة تفجيرات استهدفت الجيش اللبناني عام 2008، إثنان منها في عكار، ووضع متفجّرة على جانب الطريق في العبدة – طريق المطار كانت تستهدف قائد الجيش اللبناني العماد قهوجي، وأيضاً متفجّرة في منطقة القزاز في دمشق عام 2008، تبيّن لاحقاً أنّ جوهر والمعروف بإسم «أبو هاجر» كان موجوداً في سوريا، وقد قُتِلَ خلال شهر نيسان 2012 هناك، وإنْ تضاربت الروايات حول طريقة مقتله، لكن عائلته أكدت مقتله من خلال بيان النعي الصادر عنها، والإشارة إلى أنّ ذلك حدث في مدينة القصير السورية (20 نيسان 2012 )، حيث كانت برفقته مجموعة مؤلفة من 30 عنصراً.

هذه النماذج تؤكد أنّ الكثير من البلاغات والأخبار والأحاديث التي يتم تداولها تكون غير دقيقة، خاصة أنّ الدخول والخروج إلى ومن مخيّم عين الحلوة ليس بالأمر اليسير، حيث تنتشر في محيطه وحدات من الجيش اللبناني، ويتم الدخول والخروج عبر 4 حواجز عسكرية يتم من خلالها التدقيق بالسيارات وركّابها وتفتيشهم، وأيضاً بالمارّة وهوياتهم مع مطابقة الأسماء والصور بما هو متوافر لدى هذه الحواجز، فضلاً عن أنّ هناك كاميرات مراقبة مثبتة عليها.

أي إنّ الدخول والخروج من وإلى المخيّم يحتاجان إلى وقت ليس بالقصير، وهذا ما يؤدي في الكثير من الأحيان إلى زحمة سير هذا بالنسبة إلى الشخص العادي، فكيف إذا كان الشخص مطلوباً، فهل يسلك الطرق الرئيسية أم إنّ له طرقاً أخرى يتم استخدامها، وقد نجح كثير من المطلوبين في مغادرة المخيّم عبرها، سواء مَنْ قُتِل، كأمير «فتح الإسلام» عبد الرحمن محمد عوض (مواليد 1961)، الذي صُرِعَ خلال مطاردة الجيش اللبناني له في شتورا مع أحد مساعديه غازي مصطفى عبدالله «أبو بكر مبارك» (14 آب 2010)، أو نعيم عبّاس محمود (مواليد 1970)، أوقف في الطريق الجديدة (12 شباط 2014)، قبل تنفيذ المخطّط الإرهابي المتعدّد الوسائل والأهداف، وهذا تم من خلال الرصد والمتابعة المحلية ومشاركة معلومات من جهات وأجهزة مخابراتية أجنبية.

أين شادي المولوي؟

وفي رحلة البحث عن شادي المولوي (مواليد 1987)، و»اللغز» الذي لا بد من أنْ يُكشف ولو بعد حين، فإنّ جملة من التساؤلات تُطرح، كيف استطاع أحد أبرز المطلوبين على الساحة اللبنانية الانتقال بسهولة من طرابلس في محافظة الشمال وصولاً إلى مخيّم عين الحلوة في محافظة الجنوب، وتجاوز جميع حواجز الجيش اللبناني والقوى الأمنية المنتشرة على طول الطريق؟

وكذلك عدم إمكانية تتبّع خط سيره من خلال أجهزة الهواتف الخليوية التي يكون قد استخدمها أو البصمة الصوتية حتى لو تحدّث في غرفة مغلقة؟

وأيضاً كيف أوقفت - وفقاً للرواية المتداولة - السيارة التي كانت تقلّه، حيث تبيّن أنّ السائق مطلوب بتهمة إطلاق النار، فتم توقيفه دون الركاب، واستطاع شادي الدخول إلى المخيّم، من دون أنْ يتمكّن عناصر الحاجز من اكتشاف شخصيته، وإنْ كان حليق الرأس واللحية، حيث أبقى على «سكسوكة»، ولكن لم يُغيّر معالم وجهه، ما يُمكن أنْ يلفت الانتباه، خاصة أنّ صوره معمّمة، حتى لو كان يحمل هوية مزوّرة، هذا فضلاً عن مدى معرفة السائق بالراكب الهام الذي نقده مبلغ 100 دولار أميركي مقابل نقله من طرابلس إلى مخيّم عين الحلوة؟

وكيف استطاع المخبر سريعاً الجزم بأنّ شادي المولوي أصبح داخل مخيّم عين الحلوة، بعدما حدّد ملامح وجهه سريعاً، فيما لم يتمكّن أفراد الحاجز من ذلك؟

وأيضاً لماذا تم تسريب الخبر إلى وسائل الإعلام من قِبل الجهاز الذي يتعامل معه هذا المخبر، فطارت صفقة استدراج المطلوب للعدالة أسامة أحمد منصور (مواليد 1987).

هل هو تسابق بكشف المعلومات أو توقيف المطلوبين، أو صراع بين الأجهزة، أو نقل ملفات والرمي بها باتجاه مخيّم عين الحلوة؟

وهل بهذه السهولة يتخلّى من أقام الدنيا ولم يقعدها من أجل إطلاق سراح شادي المولوي بعد توقيفه في طرابلس من قبل الأمن العام اللبناني (14 أيار 2012)، حيث أفرج عنه (22 أيار 2012)، ونقل بموكب رسمي واستقبل استقبال الفاتحين، ما رفع من شعبيته ومناصريه، فيتم التخلّي عنه بدلاً من تأمين ملاذ آمن له، وتركه رهن المخاطرة بكشف حقيقة مَنْ يموّله مادياً ولوجستياً بالذخائر والأعتدة، التي تبلغ قيمتها آلاف الدولارات، خاصة أنّ إمكانية تواري شادي كانت ممكنة في أعقاب نجاح الجيش اللبناني بتوقيف أحد أبرز المطلوبين أحمد سليم الميقاتي (مواليد 1968) في منطقة الضنية (23 تشرين الأول 2014)، حيث تبيّن أنّه كان يسعى إلى تنفيذ العديد من العمليات الإرهابية وإقامة إمارة إسلامية تابعة لتنظيم «داعش» في منطقة الشمال ووصلها بسوريا، وأيضاً بعد دخول الجيش اللبناني إلى منطقة التبانة في طرابلس (27 تشرين الأول 2014).

والجيش أشار في وثيقته إلى التحرّي عن وجود المولوي في مخيّم عين الحلوة، استناداً إلى معلومة السائق بأنّه نقل المولوي إلى المخيّم.

ولو تبيّن لاحقاً وجود المولوي في مخيّم عين الحلوة على القوى الفلسطينية، العمل على تسليمه إلى القضاء اللبناني، أو الطلب ممَّنْ يأويه إبلاغه بضرورة المغادرة، وقد مرَّ المخيّم بتجارب مشابهة في هذا المجال، ومنها:

- مغادرة أفراد المجموعة التي عُرِفَتْ بإسم «مجموعة الضنية» مخيّم عين الحلوة، وبينهم أحمد سليم ميقاتي (مواليد 1968 السويقة – الشمال لقبه «أبي بكر» و»أبو الهدى»)، الذي كان قد وصل إلى المخيّم بعد أحداث الضنية (31 كانون الأول 1999، التي استشهد فيها 11 ضابطاً وعسكرياً من الجيش اللبناني و5 مدنيين و15 مسلّحاً، وكانت بإمرة بسام الكنج «أبو عائشة») بعدما زادت التوترات بينها وبين حركة «فتح»، خاصة بعدما قام أحد عناصر «مجموعة الضنية» ويُدعى محمد رياض المحمود المعروف بـ»أبو ثابت»، بتنفيذ هجوم على مقر «الكفاح المسلّح الفلسطيني» في مخيّم عين الحلوة، وأبلغ زملاءه بأنّه شاهد مناماً في الليل بأنّه يهاجم أحد مراكز «الكفاح المسلّح»، فقام بتنفيذ ذلك، حيث قُتِلَ في الهجوم، فيما قُتِلَ عنصر من الكفاح المسلّح يدعى محمد عاطف أبو حسّان الملقّب بـ»سيف» (13 آب 2002). وبعد اندلاع الاشتباكات وعقد اجتماعات بين حركتَيْ «فتح» و»عصبة الأنصار الإسلامية» تم خلالها التوافق على ضرورة إنهاء «مجموعة الضنية» سواء بمغادرة أفرادها منطقة التعمير أو الالتزام تحت سيطرة «عصبة الأنصار»، وهو ما جرى، حيث غادر ميقاتي المنطقة لاحقاً، وأوقف في محلة قصقص – حرج الصنوبر (17 أيلول 2004).َ

- تسليم بديع حمادة «أبو عبيدة» بعدما لجأ إلى المخيّم بعد قتله 3 عسكريين من الجيش اللبناني في منطقة الفيلات – صيدا، بوساطة تولاها إمام «مسجد القدس» في صيدا الشيخ ماهر حمود ومشايخ صيدا، حيث سلّم إلى مخابرات الجيش اللبناني (17 تموز 2002)، على ألا يتم إعدامه، لكن نُفِّذَ به حكم الإعدام (17 كانون الثاني 2004).

بين الأسير وشاكر

لقد أثبتت القوى الفلسطينية في أكثر من محطة سياسة عدم التدخّل في الشأن الداخلي اللبناني، وهو ما أفشل العديد من مخطّطات استخدام الورقة الفلسطينية في أتون التجاذبات الداخلية اللبنانية، وخير مثال على ذلك ما جرى مع إمام «مسجد بلال بن رباح» المتواري الشيخ أحمد هلال الأسير (مواليد 1968) عندما اعتدى على الجيش اللبناني (23 حزيران 2013)، ورفضت القوى الفلسطينية زج نفسها والوقوف معه، على الرغم من محاولات الإغراء تحت عنوان أنّ هناك هجمة على السُنّة، أو الإغراء المالي الذي وصل إلى عشرات آلاف الدولارات، التي رفضها ممثلو القوى الإسلامية من أجل فتح جبهة في تعمير عين الحلوة للتخفيف عمّا يجري في منطقة عبرا، فأفشلت القوى الفلسطينية هذه المحاولة. وكانت «القوى الإسلامية» في مخيّم عين الحلوة قد نجحت في إقناع الأسير بفك اعتصامه الذي نفّذه على بوليفار الدكتور نزيه البزري – الشرقي في مدينة صيدا، بدءاً من (28 حزيران 2012)، حيث فك هذا الاعتصام (1 آب 2012).

وكشفت مصادر مطلعة عن أنّه في فجر يوم التالي لأحداث عبر - أي يوم الاثنين 24 حزيران، بقي الأسير وشاكر وعدد من المناصرين، وجرى حديث بين الإثنين بعد أنْ أبلغا بأن الذخيرة قد نفذت، وأنّ الجيش أحكم الطوق على المنطقة وهناك العديد من القتلى في صفوف مناصري الأسير، فأعلن الأسير عن أنّه سيبقى يقاتل وإذا ما اضطر سيفجّر نفسه، فيما أبلغه شاكر بأنّه سيغادر المنطقة، وغادر مع شقيقه وعدد من المناصرين عبر طريق مبانٍ مجاورة، وصولاً إلى القفز عن جدار بالقرب من «فرن عبيد» قبل الاختباء فيه، وعندها جرى الاتصال بالأسير وأبلغ بأنّ الطريق مفتوحة، فغادر المبنى، وعندما وصل أمام الجدار، استُعين بألواح خشبية لوضعها له مستخدماً إياها كمنحدر للتزحلق عليه وصولاً إلى الطرف الآخر، ولعله استفاد من رحلاته إلى ممارسة التزلّج في تنفيذ هذه المهمة، والتجأ شاكر إلى شقة في مبنى مجاور، وأمضى ليلته قبل أنْ يغادر في اليوم التالي إلى تعمير عين الحلوة، ثم يدخل إلى المخيّم، فيما بقي الأسير في منطقة الهلالية لعدّة أيام قبل أنْ يتم نقله إلى منطقة طرابلس، التي مكث فيها لفترة من الزمن.

وأكدت مصادر متابعة ومطلعة أنّ الأسير حطَّ رحاله في تركيا، وقد وصل إلى هناك أفراد من عائلته وإحدى شقيقاته وأحد أصهرته، وقد زاد بعد ذلك من تغريداته عبر «تويتر»، خاصة بعدما وجد أنّ المناصرين قد التحقوا بخلايا ومجموعات أخرى ومنها «كتائب عبدالله عزام» ومنهم معين عدنان أبو ظهر (مواليد 1992) وعدنان موسى المحمد (مواليد 1992) اللذين نفّذا تفجير السفارة الإيرانية في بئر حسن (19 تشرين الثاني 2013)، وهذا يوضح أنّ الأسير لم يدخل إلى مخيّم عين الحلوة، بل أنّ وجهته كانت منطقة الشمال ومنها إلى خارج لبنان، وكانت مصادر أمنية رسمية قد ألمحت إلى أنّها «لا تعرف ماذا تنقل المواكب الرسمية والأمنية ذات الزجاج الداكن في تنقلاتها وليس بسهولة توقيفها لأنّ من بداخلها يثيرون ضجة كبيرة لدى تفتيشها».

والأسير الذي بدأ بروز نجمه بشكل لافت في أواسط 2011، كان يؤكد عدم الخوض في تفاصيل السياسة، بل إنّ ما يقوم به هو تحت عنوان «رفع الظلم والدفاع عن وجودنا وأمننا وأمن بلدنا، حيث سنقارب هذه الملفات بطريقة سلمية»، وكان يشير في مجالسه الخاصة إلى أن هناك حوالى 5 آلاف مسلح من أصل 25 ألف يمكن أن يكونوا جاهزين لمناصرته والدفاع عنه عند سقوط أول نقطة دماء منه أو من أحد مناصريه. وكان في كثير من الأحيان وقبل تعامل الجيش معه بحسم، هناك مَنْ يتّصل بالقضاء والجيش والقوى الأمنية، ويؤكد أنه «مضمون» - وليس المجال حالياً للحديث عن ذلك بالتفصيل..

أما فضل شاكر (فضل عبر الرحمن شاكر شمندور، مواليد 1969) منذ أنْ أعلن اعتزاله الفن خلال عام 2012، فإنّه وصل إلى تعمير عين الحلوة، وأقام لدى أقاربه هناك، وسرعان ما انتقل إلى مخيّم عين الحلوة، حيث أقام لدى (ر.و)، وهو عمد لفترة طويلة إلى الابتعاد عن الإعلام، قبل أنْ تنتشر له صورة خلال زيارته إلى أحد الوجهاء في المخيّم (م.ع.)، حيث جرى خلال اللقاء طرح إمكانية تسوية وضعه، وقام هذا الوسيط بنقل هذه الفكرة إلى إمام «مسجد القدس» الشيخ ماهر حمود، الذي تحدّث عن أنّه جرى طرح هذا الموضوع عليه.

وأوضحت مصادر مقرّبة من شاكر أنّه لم يطرح هذه الفكرة، لأنّه يعتبر نفسه لم يقم بأي عمل فيه اعتداء على الجيش اللبناني، وأنّه غير مستعد لتسليم نفسه، لأنّه يرى أنّ القضاء مُسيّس ويأتمر بأوامر (الرئيس) نبيه بري و»حزب الله».

ولكن تذهب مصادر لتوضح أنّ شاكر اعتاد بشكل دائم على دخول «الوساطة» لصالحه، سواء من أطراف سياسية وقضائية أو مسؤولين أمنيين، سوريين سابقاً ولبنانيين لاحقاً، وعلى عدة مستويات ومن مختلف الأطراف سواء في 8 آذار أو 14 آذار أو ما بينهما، ، فضلاً عن فاعليات، والعديد من المحطات شاهدة على ذلك، وما عزّز لديه القناعة هو ما أبلغته به إحدى الإعلاميات في اتصال معه، بأنّ شخصية سياسية وعدته بحل مشكلته بعد انتخاب رئيس للجمهورية، وإمكانية تأمين مخرج لهذا المأزق، ولذلك هو ليس مستعجلاً على حل قضيته!

وتسجّل أطراف فلسطينية مآخذها على شاكر بأنّ مخيّم عين الحلوة الذي التجأ إليه ووفر له الأمن والأمان فيه، لم يحترم آداب الضيافة في الآونة الأخيرة، بل استمر في إطلاق مواقف تسيء إلى علاقاته مع الجيش اللبناني والأطراف السياسية اللبنانية، وهو ما يجعل من وجوده «ضيفا ثقيلا» غير مرغوب فيه، وبالتالي يجب عليه التزام عدم الإدلاء بأي تصاريح ومواقف، أو مغادرة المخيّم، وهو ما قد طرحه عليه أحد القيادات الخليجية لإمكانية بحثه مع مسؤولين في الدولة اللبنانية.