لا كلام يعلو هذه الايام على الكلام الذي يدور في الصالونات السياسية والكواليس حول الحوار الذي يتم العمل على وضع لمساته الأخيرة في مطابخ عين التينة وبيت الوسط على اعتبار ان اي تطور او حركة سياسية داخلية لا يمكن ان تكون بمعزل عن الاستحقاق الرئاسي وعليه تقول مصادر سياسية متابعة، فان الانظار ستكون مشدودة الى ما يمكن ان يصدر عن اي تفاهم او تقارب بين المستقبل وحزب الله والذي سيكون احد بنوده الأساسية مصير الاستحقاق الرئاسي إضافة الى التأسيس لمرحلة سياسية جديدة تتماشى مع المرحلة المقبلة.

فالحوار المزمع ان يحصل قريباً لن تغيب عنه اشكالية الفراغ الرئاسي وضرورة التوصل الى تسوية او الى حلول سياسية للملف الرئاسي، في رأي المصادر، وفي اعتقاد كثيرين ان هذا الحوار سيكون مؤثراً في فرص الموارنة الأربعة إذ سيتم الذهاب الى تبني مرشح من خارج نادي 8 و14 آذار، وهذا العامل الذي يتم الترويج له هو الذي جعل رئيس الاصلاح والتغيير يطرح مبادرة لحصر المنافسة بينه وبين سمير جعجع في ساحة النجمة قبل ان ينطلق الحوار الذي يصعب التنبؤ بما سيؤول اليه والى اين سيصل، خصوصاً ان الأمور باتت مفتوحة على كل الاحتمالات، فسعد الحريري الذي اختبر تجربة العودة للمشاركة في الحكم من خلال وزارة تمام سلام الى جانب حزب الله أدرك ان قرار المقاطعة والحرب الشرسة على الشريك في الوطن لا يؤديان الا الى الفوضى الداخلية والى ضرب السلم الأهلي في زمن تهديدات داعش والنصرة في حين ان من مصلحة حزب الله التهدئة الداخلية لحماية ظهر المقاومة التي تقاتل في سوريا وعلى الحدود الشرقية لسلسلة جبل لبنان ولتفادي الفتنة المذهبية.

والواقع كما تقول المصادر ان طرح الرابية بالمنازلة الحصرية بينه وبين سمير جعجع في هذا التوقيت بالذات اكسب الرابية عدة نقاط رابحة فهو اولاً نزع عنها صفة «المعطل» للجلسات الانتخابية من جهة، وقدم أوراق اعتماد جديدة بعد ورقة التمديد الى الصرح البطريركي فالدعوة هذه لا يمكن الا ان تلقى رضى واستحسان سيد الصرح الذي يتطلع الى رئيس للجمهورية مهما اختلفت المبادرات وتعددت آليات الانتخاب. ومن جهة اخرى فان عون الذي طرح المبادرة تقصد بحسب المصادر إحراج معراب ونقل كرة التعطيل الى ملعبها من جهة وكشف كل الأوراق المستورة ووضعها فوق الطاولة وبالتالي اللعب على المكشوف، لتبيان من يريد الفراغ ومن يعطل الرئاسة بدل القاء اللوم على الرابية وحدها وتحميلها تبعات ما يحصل للرئاسة.

ولعل المفارقة الاساسية ان عون اراد احراج الجميع وجعلهم يفكرون بصوت عال ففي اعتقاد الرابية ان هناك من لا يريد عون رئيساً وبالتالي لا يريد دخول الرئيس المسيحي القوي الى قصر بعبدا، وبالتالي يفترض إماطة اللثام عن كل جوانب الملف الرئاسي المتشعب، فليس خافياً على الرابية ان ثمة مساعي لإطالة الاستحقاق تعديلاً وربطاً بالاحداث الإقليمية.

على ان المنازلة الحصرية اذا ما حدثت يوماً من شأنها كشف الكثير من الاوراق ووضع الجميع امام مسؤولياتهم، تضيف المصادر، وبالتالي تبيان مدى التزام حلفاء كل من جعجع وعون بتحالفاتهما، ومقابل اعتقاد كثيرين بأن الحوار الذي سينطلق قريباً لن يصب في مصلحة ترشيح كل من جعجع وعون، فان قناعة الرابية بان حزب الله الذي جاهر أمينه العام بتسمية عون لا يمكن ان يساوم عليه او المقايضة بملف الرئاسة بعدما وصلت الامور الى مرحلة التكامل الوجودي، اما حليف الحليف في عين التينة ففي اعتقاد القريبين من الرابية ان بري لا يمكن ان يسير في انتقام ضدها على خلفية التمديد المجلسي كما لا يمكن لرئيس المجلس ان يسير عكس خياراته السياسية والطعن في ظهر المقاومة، في حين ان لوليد جنبلاط حساباته الخاصة ومخاوفه على الجبل الدرزي من غزوات «داعش» و«النصرة» والارهاب التكفيري ويتحاشى الاخطاء مع حزب الله في هذا التوقيت السياسي، وبالتالي يمكن الركون الى عدة اشارات لتبيان موقف جنبلاط من المنازلة الرئاسية، فالزعيم الدرزي اطلق ترشيح هنري حلو في رسالة واضحة الى رفضه لقائد القوات، كما سبق لجنبلاط ان عمل على التسويق لمبادرة «عون في القصر لسنتين» رفضها الأخير.

اما «المستقبل» الذي شهدت مرحلة ما قبل التمديد تبدلاً وتغييراً فاضحاً اعاد العلاقة الى نقطة الصفر بينه وبين المستقبل والتيار الوطني الحر، بحسب المصادر، فان العلاقة التي تتأثر الى حد كبير بالرأي والموقف الملكي لا يمكن ان تكون لمصلحة الرابية بالكامل، وان كان يمكن التعويل على اي تبدل من جهة المستقبل فالأخير يقود حواراً مع حزب الله قد لا يعجب المملكة بالتأكيد، وبالتالي فتحسن العلاقة او الانفتاح مجدداً على الرابية يمكن ان يحصل في اي وقت.

وفي كل الاحوال فان المنازلة في المجلس الذي يمكن ان تكون حظوظه لا توازي اكثر من الصفر وعلى غرار المبادرة العونية لانتخاب الرئيس من الشعب والعديد من الخطوات العونية التي لم تصل الى مستوى طموحات الرابية والنتائج التي ترجوها تبقى خطوة ضرورية وموفقة بانتظار انطلاقة الحوار الذي تتوقف عليه الكثير من الاحداث الهامة في المستقبل القريب.