كما توقّعنا في مقال سابق بعنوان "لهذه الأسباب لا إتفاق نووي مع إيران الأسبوع المقبل"، إنتهت محادثات "فيينا" إلى عدم الوصول إلى إتفاق نهائي، وإلى تمديد جديد لفترة التفاوض حتى الأوّل من تمّوز 2015 كحدّ أقصى جديد، على أن يترافق ذلك مع تجميد جزئي لأنشطة إيران النوويّة في مقابل حصولها على نحو 700 مليون دولار أميركي شهرياً من أرصدتها المجمّدة في الخارج، أيّ من أموالها الخاصة! فلماذا فشلت المفاوضات مرّة أخرى، وما هي فُرص نجاح الجولة المقبلة؟

في جوجلة وخلاصة لآراء مجموعة من المحلّلين الغربيّين الذين رافقوا تطوّر المفاوضات بين إيران و"الدول الخمس زائد واحد" بشأن الملفّ النووي، يمكن سريعاً تلخيص أسباب الفشل الجديد بالتالي:

أوّلاً: إنّ المفاوضات السهلة هي التي تتمّ عادة بين طرف قوي وآخر ضعيف، أو بين فريق ربح حرباً أو صراعاً وآخر خسره، بينما مفاوضات إيران مع الدول الغربيّة هي صعبة نتيجة توازن بين الفريقين المتواجهين من حيث إمتلاك "أوراق تفاوض قويّة" بأيديهما، الأمر الذي يُعقّد فرص الوصول إلى تسوية مرضية للجميع.

ثانياً: إنّ روسيا والصين تدعمان الموقف الإيراني المُتشدّد حيث تعملان على مقايضته بملفّات تخصّ كلاً منهما، بينما تترك الدول الأوروبية أي فرنسا وبريطانيا وألمانيا ورقة التفاوض السياسيّة –العسكرية بيد أميركا، وتكتفي بالتركيز على الملف الإقتصادي– المالي من أيّ إتفاق محتمل، مع تمايز للموقف الفرنسي الأكثر تشدّداً لاعتبارات مرتبطة بعلاقاتها مع دول الخليج. وهذا ما جعل طهران في موقع تفاوضي مُرتاح، وغير مستعجلة على تقديم أيّ تنازلات مجانية، خاصة وأنّ التيار الديني المتشدّد في إيران ترك هامش مناورة محدوداً للرئيس الإيراني حسن روحاني. وهذا ما جعل في المقابل الولايات المتحدة الأميركية متردّدة في التساهل مع إيران، كونها ستتحمّل وحدها الأعباء السياسية والأمنيّة لأي إتفاق محتمل، خاصة وأن إدارة الرئيس باراك أوباما تعاني من إتهامات بالجملة بأنّها متردّدة وضعيفة في الملفّات الدَوليّة.

ثالثاً: ليس بإمكان واشنطن القفز بسهولة فوق مطالب الحكومة الإسرائيليّة بوقف كلّي للنشاط ​النووي الإيراني​، ولا فوق ضغوط اللوبي الإسرائيلي في أميركا. كما أنّه ليس من السهل على واشنطن تجاهل خشية الدول الخليجيّة من إرتدادات أيّ إتفاق نهائي بين الغرب وإيران عليها، على مختلف المستويات: السياسية والأمنية والإقتصادية، إلخ.

بالنسبة إلى التوقّعات الأوّلية الخاصة بالجولات المقبلة من المفاوضات، والتي ستبدأ طلائعها في كانون الأوّل، على أمّل التوصّل إلى إتفاق مبدئي بحلول الأوّل من آذار المقبل، على أن تتم بعد ذلك صياغة تفاصيله على مدى أربعة أشهر، فهي تُختصر على الشكل التالي:

أوّلاً: إنّ الخيار العسكري الذي كانت واشنطن تُهدّد به في السابق قد سقط كلياً، ما يعني أنّ لا خيار غير التفاوض مع إيران للتوصّل إلى حل، مهما طال الزمن، ومهما أسقِط من مهل نهائيّة، وهذه نقطة إيجابية في صالح التوصّل إلى إتفاق.

ثانياً: إنّ المصالح الأميركية–الإيرانية التي كانت مُتضاربة جداً في السابق، والتي تحسّنت قليلاً خلال وبعد إسقاط حُكم حركة "طالبان" في أفغانستان ونظام الديكتاتور صدّام حسين في العراق، بفعل تنسيق الإنتشار العسكري الأميركي في دولتين مجاورتين لإيران، بلغت أخيراً مرحلة إيجابيّة بعد صعود قدرات تنظيم "داعش" الإرهابي، حيث إلتقت مصالح كل من واشنطن وطهران على مُواجهة هذا التنظيم وعلى حصر توسّع نفوذه. وهذه نقطة ثانية في صالح التوصّل إلى إتفاق أيضاً.

ثالثاً: إنّ سيطرة الجمهوريّين على "الكونغرس" الأميركي والتي ستُصبح تنفيذيّة مطلع العام المقبل، ستلعب دوراً سلبياً في إمكان الوصول إلى إتفاق في المرحلة المقبلة، خاصة وأنّ للجمهوريّين إنتقادات كبيرة لسياسة واشنطن التي يعتبرونها متساهلة إزاء طهران. وهم يتّهمون إيران بالمراوغة والمماطلة وبخداع العالم الغربي.

رابعاً: إنّ إسرائيل التي أبدت غبطتها بفشل الوصول إلى إتفاق في "فيينا"، سترفع وتيرة ضغطها على واشنطن في الأشهر المقبلة، منعاً لأيّ تساهل إزاء الملفّ النووي الإيراني، خاصة وأنّها تعتبر أنّ إيران ماضية قُدماً في برنامجها، وهي تُماطل كسباً للوقت، على أمل إنهائه وفرضه كأمر واقع. كما أنّ الدول الخليجيّة ستضغط بدورها، ولأسباب إقتصادية، مرتبطة خصوصاً بالقطاع النفطي المُتهاوي، لمنع رفع العقوبات بشكل كامل عن إيران، خاصة لجهة السماح بتصدير النفط الإيراني بشكل منافس لها. وهذه طبعاً من الأسباب التي تحدّ من مستوى التفاؤل بإمكان التوصّل إلى إتفاق نهائي.

خامساً: إنّ توقيع أيّ إتفاق نهائي بين إيران والدول الغربيّة، يجب أن يترافق–ولو سرّاً، أو أقلّه بعيداً عن الإعلام، مع اتفاقات وتفاهمات جانبيّة على الخطوط العريضة الخاصة بعدد من القضايا والملفّات الإقليمية العالقة، ومنها الملفات العراقية والسورية واليمنيّة، إلخ. وهذه "القُطبة المَخفيّة" ساهمت في إفشال التوصّل إلى إتفاق نهائي حتى اليوم، وهي تُشكّل نقطة سلبيّة دائمة باعتبار أنّ هذه الملفّات المفتوحة تزداد تشعّباً وتعقيداً، والشروع في حلّها سيستغرق وقتاً طويلاً.

في الخلاصة، لا يُمكن من اليوم حسم نتائج الأشهر السبعة المُقبلة من المفاوضات، باعتبار أنّ كل المُعطيات والعوامل المؤثّرة، إن السلبيّة أو الإيجابية المذكورة أعلاه، هي قابلة للتغيّر وللتطوّر. وبالتالي إنّ ميلان كفّة الميزان لصالح التوصّل إلى إتفاق نهائي أو عدمه، يرتبط بدون أدنى شكّ بمجموعة من العوامل الخارجيّة التي تؤثّر بشكل مباشر أو غير مباشر على الأطراف المعنيّة بالمفاوضات. وفي الإنتظار، لا يزال الملفّ النووي الإيراني مفتوحاً على مصراعيه، شأنه شأن العديد من الملفّات الأخرى في الشرق الأوسط. وهذا يعني إستمرار حال المُراوحة القاتلة لفترة طويلة...