حجز المرشحون «الأقوياء» الأربعة إلى رئاسة الجمهورية الهواء التلفزيوني الأسبوع الماضي. أطلوا واحداً تلو الآخر عبر الشاشة الصغيرة لإبهار الرأي العام. حماسة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وعمقه الاستراتيجي دفعاه إلى أن يكون الأول. ديكور رئاسي وربطة عنق كحلية وجدّية مرسيل غانم هذه المرة. يكرر جعجع في الساعة الأولى ما يقوله نوابه منذ بضعة أسابيع: التبرير غير المقنع لسيره في الطائف وتنصله من القانون الأرثوذكسي وتمديده للمجلس النيابي الحالي. يتبع ذلك إطلاق اتهامات عشوائية وشعارات: «حزب الله لا علاقة له بلبنان».

«بشار الأسد يرمي قنابل نووية على شعبه». وعلى طريقة النائب خالد ضاهر منذ ثلاث سنوات: «النظام السوري سيسقط». مع العلم أن «النظام قائم اليوم (وفقاً لجعجع) على ميليشيات إيرانية وعراقية و(...) أفغانية». ليبلغ ذروة التذاكي السياسي في دعوة حزب الله إلى التخلي عن ترشيح عون وتبني النائب سليمان فرنجية، موحياً بأن حظوظ دعمه للزعامة الزغرتاوية المواجهة لزعامته في البترون والكورة وبشري أكبر من حظوظ عون.

عبثاً تبحث، مع «جنيريك» الختام، عما علق في رأسك فعلاً من هذه الحلقة. بعيداً من استفزازك قليلاً من استغبائك العلني، كأنها لم تكن. بعد يومين، تبوء كل مساعي النائب سليمان فرنجية لاستدراج جورج صليبي إلى التخلي عن أسئلته المجهزة مسبقاً بالفشل، فيضيّع صليبي الفرصة تلو الأخرى لأخذ المزيد من فرنجية. لا يسأله عمن يقصد بالمعتدلين، حين يطالب زعيم المردة بالإتيان بالمعتدلين من كل الطوائف؛ من يمثل الاعتدال المسيحي اليوم؟ والشيعي والسني والدرزي؟

ولا يسأل عمن أوقع فريقه السياسي في فخ «المخايرة» بين النائبين سعد الحريري وخالد ضاهر، أو عن الفرق في نظره بين الحريري وضاهر، طالما يعارض فرنجية إسقاط الحريري للإتيان بضاهر. ويبدو واضحاً، هنا، أن مباشرة فرنجية في مخاطبة الرأي العام لا تقارن أبداً بالتفافات جعجع ودورانه. إلا أن المقابلة تنتهي من دون أن يكشف المرشح الأكثر اطلاعاً على التطورات الإقليمية بحكم علاقته الوثيقة بالرئيس السوري بشار الأسد عن تفصيل صغير عما يدور حولنا، أو يرسم للمواطنين – كما يفترض بالزعماء أن يفعلوا – خريطة طريق أولية لما ستكون عليه الأوضاع في المرحلة المقبلة.

أما رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون الذي لبى دعوة وليد عبود العاجلة إلى «بموضوعيته»، بعدما سبقه كل من غانم وصليبي إلى قطب، فتفوق على سائر المرشحين بالديكور الرئاسي هذه المرة. يذهب ثلثا المقابلة لتكرير المواقف السابقة عن الاستقلال المنتهك منذ عام 1967، فحرب الجيش والقوات، وعدم تطبيق الطائف، والمساعي المستمرة لحذفه من اللعبة السياسية، وحق المسيحيين في انتخاب رئيس قوي، وانتقاد التمديد. يطعن عون في مجلس يريده أن ينتخبه رئيساً، ويريد ممن لا يريده رئيساً أن يوضح السبب أكثر مما يفعل حالياً نواب المستقبل والكتائب والحزب الاشتراكي وبطرس حرب والقوات. أما الثلث المتبقي، فيخصص لتحديد معنى كل من الميثاقية و»التكامل الوجودي مع حزب الله» والتنظيم الحزبي في القاموس العوني. ولا تحظى مبادرة الجنرال الرئاسية الجديدة بأكثر من أربع دقائق، خصوصاً أن محاوره لم يكن يتوقع كما يبدو اقتراحه الذهاب وجعجع إلى المجلس لانتخاب أحدهما حصراً رئيساً للجمهورية. مع العلم أن المحيطين بعون كانوا قد بدأوا بتسريب هذا الاقتراح قبل أكثر من أسبوع. وكان يفترض أن تكون بالتالي المادة الرئيسية في الحلقة.

في اليوم التالي استضاف مرسيل غانم، مجدداً، الرئيس أمين الجميل. عهد الجميل الرئاسي السابق يسمح لموقع الكتائب الإلكتروني بالقول إنه لا يتردد أمام الصعاب وبأنه رجل المهمات الجسام. لا يكفي الجميل أن يحقق حلمه بالفوز برئاسة الجمهورية مرة واحدة، يريد تحقيقه مرتين. كمرشح رئاسيّ، لا يرى وسيلة لحل «قضية السلاح» مع «هذا المكون اللبناني الأساسي» إلا بالحوار و»التفاهم والإقناع». مبادرة العماد عون «معادلة خنفشارية». «نعم للتنسيق (والتعاون) بين القوى العسكرية والامنية اللبنانية والسورية لحماية لبنان». و»لا للتدخل في الشؤون السورية».

تنتهي في النتيجة أكثر من تسع ساعات من البث التلفزيوني المباشر، من دون عرض مبسط واحد لما بلغته الأوضاع الإقليمية، ومن دون معلومة جديدة واحدة عن مسار الحوار المنتظر بين حزب الله والمستقبل، أو تعداد واضح لنقاط التلاقي والتصادم بين القوات والكتائب أو بين العماد عون والرئيس نبيه بري. لا يجد أي من أحد المرشحين نفسه ملزماً بإعلام المشاهدين لماذا يفترض أن ينتخب هو لا الآخر رئيساً؛ لماضيه أم لمستقبله؟ يوحي فرنجية بأن معركة الشمال لم تبدأ بعد، في حديثه عن تمسك «داعش» بالحصول على ممر بحري، من دون أن يحدد ما إذا كان إيحاؤه مبنياً على معلومات أو مجرد توقّعات، تاركاً لأهالي الشمال تقدير ذلك. وفي السياق نفسه، يربط عون بين التمديد الأخير وعمر الأزمة، موحياً بأن الأوضاع ستبقى على ما هي عليه عامين وسبعة أشهر أقله. يتحدث الأربعة عما يهمهم من ملفات، من دون التفات من قريب أو بعيد إلى قضايا المشاهدين الرئيسية. ليس لديهم في نهاية المقابلات ما يقولونه لمن يرفضون انتخابهم أو لناخبيهم والرأي العام. كل المشاريع الإنمائية والحياة الحزبية والديمقراطية الحقيقية وفرص العمل وغيره رهن بانتخاب واحدهم رئيساً. كانت لافتة محاورة القادة الأربعة لأنفسهم الأسبوع الماضي على الهواء مباشرة. وبعد أسبوع واحد لا يبقى من مقابلاتهم أي أثر.