يتفق اللبنانيون على اختلاف توجهاتهم، أن بنية النظام السياسي الطائفي هشٌة ومهترئة، ولا تشكّل أساساً صالحاً لبناء دولة متماسكة تتمتع بالاستقلالية والكمال، لأن هذا النظام وُلد كسيحاً ومشوَّهاً، بعد جراحة قيصرية بمشرط استعماري.

واقع الحال أن استقلال لبنان لم يأتِ ناجزاً، فالمحتل الأجنبي الذي جلا عن لبنان عسكرياً، أبقى على "موروثه" من خلال نظام طائفي ورث ثقافة الاستعمار وقوانينه وسلوكياته، حتى أن اتفاق الطائف لم ينجح في قطع صلة لبنان بموروث الاستعمار، رغم أن الطائف نقل لبنان من دوامة الحرب الأهلية إلى رحاب السلم الأهلي، وحسم في تحديد هوية لبنان وخياراته وانتمائه، ووضع استهدافات إصلاحية لم يتحقق منها شيء، لا سيما تلك المتعلقة بإلغاء الطائفية.

إذن، لبنان ما يزال أسير صيغة طائفية فرضها الأجنبي، واللبنانيون أسرى هذه الصيغة، فهي إلى جانب أنها ولاّدة الصراعات الطائفية والمذهبية، فإنها تنتج التسويات الداخلية على أساس طائفي، لكن بعد "خراب البصرة".

منذ العام 1943 لم يحدث أن حصل فراغ في لبنان، لأن المعادلة الطائفية والمذهبية حاضرة، وهي تشكّل أساس بنية النظام القائم، وبحسب التركيبة الطائفية وموازينها ليس "فراغاً" إذا بقي لبنان بلا رئيس للجمهورية أو بلا حكومة لأشهر أو سنوات، ولم يُحتسب فراغاً حين استمر المجلس النيابي طيلة سنوات الحرب الأهلية.

فراغ كرسي رئاسة الجمهورية لم يغيّر في واقع الحال شيئاً، وأي فراغ آخر في المؤسسات لن يؤثر في المشهد العام، لأن المعادلة الطائفية هي التي تحكم، وليس هناك من خشية على فراغ يصيب هذا النظام الكسيح أصلاً.

إن أخطر فراغ وتحدٍّ يواجه لبنان موقعاً ودوراً، حين يفقد لبنان عناصر قوته ومنعته، وبعض اللبنانيين تآمر في الماضي ويتآمر راهناً على المقاومة بوصفها تشكل العمود الفقري لقوة لبنان، وأثناء حرب تموز 2006 العدوانية على لبنان طُرح على المقاومة شعار "سلّم تسلم"، ولو أن هذا الأمر حصل لكان لبنان الكيان والموقع والدور في خبر كان، ومشطوباً من معادلة الجغرافيا.

لقد بات معلوماً أن رهان البعض على تصفية المقاومة رهان فاشل وخاسر، فالمقاومة هزمت "إسرائيل"، وشكّلت بوجهها قوة رادعة.. والمقاومة مع الجيش اللبناني تحمي لبنان من خطر الإرهاب والتطرف، وتمنع تمددهما في لبنان، والمقاومة عنصر قوة يهدد المشاريع الأخرى والمعادية.

في ظل النظام الطائفي، لبنان دولة فاشلة، والفراغ في الفشل لا يعني شيئاً..

في ظل المقاومة، لبنان أساسي في المعادلات وفي خريطة المواجهة، وتفريغه من عناصر قوته يعني شطبه من معادلة الجغرافيا والوجود..

الحديث يجري عن حوار بين طرف يمثّل المقاومة، وآخر يمثل المنضوين في جبهة تصفية المقاومة.. إن الشروع في هذا الحوار يؤكد أنه لا مفر من التسويات، لكن أي تسوية جديدة ستحصل فستكون على قاعدة التسليم بواقعية "المقاومة أولاً"، حتى وإن لم يعلن ذلك للملأ.

المقاومة أولاً.. حقيقة لا شعار.. سمة المرحلة المقبلة.