أرخت نتائج محادثات فيينا على المشهد السياسي لتنطلق الردود والتحليلات لأنّ جلّ ما أعلن عنه هو تمديد المحادثات بشأن الملف النووي الايراني حتى شهر حزيران من العام المقبل 2015.

لكن هناك أمور عدّة تمّ رصدها يمكن للمراقب أن يتوقف عندها للبناء عليها، أولها مشهد جلوس وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف مقابل وزراء خارجية ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، بالاضافة لوزيري خارجية الصين وروسيا، وهو ما يشير إلى صلابة الموقف الايراني ودفاعه عن الحقوق المشروعة أمام دول العالم.

هذا وقدمت ايران للدول المشاركة كلّ الضمانات بعدم انتاج السلاح النووي مستندة الى فتوى المرشد السيد علي خامنئي بتحريم إنتاج السلاح النووي، وبالتالي فإنّ ايران لا نية لديها باستعمال الطاقة النووية إلا للأغراض السلمية والبحث العلمي، مقرنة القول بالفعل بقبولها تخفيض عدد الطرود التي تسمح بانتاج سلاح نووي.

مؤشرٌ آخر كانت له دلالات هامة سبق ​مفاوضات فيينا​ هو الاعلان عن رسائل سرية كان قد ارسلها الرئيس الأميركي باراك أوباما للمرشد الايراني وما تحمله من اعتراف بأحقية ايران بامتلاك الطاقه النووية للاغراض السلمية.

ومن المؤشرات اللافتة أيضًا اعتراف وزراء الخارجية الالماني والفرنسي والانكليزي بأنّ المفاوضات كانت ضرورية لانها ضيقت فجوة الخلاف مع ايران وبات باستطاعتنا انجاز الاتفاق، إضافة إلى أنّ عدم الطلب من ايران التخلي عن برنامجها النووي وتفكيكه كما كان في السابق من قبل الدول المشاركة بالمفاوضات يعتبر أيضًا مؤشرًا على مقاربة جديدة بالتعاطي مع الملف النووي الايراني.

وإلى كلّ ذلك، لا شكّ أنّ استمرار ايران ببرنامجها النووي بكل مفاعلاتها مع تعديلات ترضي الدول المشاركة وتطمئنها أيضًا يُعتبَر إنجازًا مهمًا لصالح ايران.

إذًا نستطيع القول أنّ الامور التقنية تمّ حلها بمعظمها، وبقي الخلاف حول رفع العقوبات عن ايران دفعة واحدة أو على مراحل، فإيران تريد رفع العقوبات دفعة واحدة، أما أميركا فتريد أن تظلّ ممسكة بزمام الامور من خلال عقوبات فرضتها على ايران بموافقة روسيا والصين، لكنّ الولايات المتحده تدرك أنّ ما كان ممكنا قبل الفيتو لم يعد ممكنا بعد استعمال الفيتو الروسي الصيني المشترك لثلاث مرات.

وإذا كان السماح بتحويل مبلغ 750 مليون دولار أميركي شهريًا من الارصده زالايرانيه المجمدة لحساب ايران دليلاً واضحًا على أنّ شيئا ما قد تبدل، فإنّ إعلان روسيا والصين بأنّهما سيرفعان الحظر عن ايران بالتدرج ومن جهةٍ واحدةٍ وذلك لانعدام الظروف التي أدّت لفرض تلك العقوبات يعتبر أمرًا بالغ الاهمية.

نستنتج من كلّ ذلك أنّ اتفاقا بين ايران والدول المشاركة تمّ إنجازه بالفعل دون الاعلان عنه لاعتبارات عدة:

أولا ترتيب الاجواء السياسية والارضية الصالحة غير الصادمة وخصوصًا مع حلفاء واشنطن في المنطقة، إضافة لتحديد الثمن المطلوب لتقبل مثل هذا الاتفاق.

ثانيًا خلافات الادارة الأميركية في الداخل و التغيير المنتظر فيها وخصوصًا في حلقة القرار الأميركي الضيّقة، إضافة إلى ضرورة الاخذ بعين الاعتبار سيطرة الجمهوريين على قرار الكونغرس الأميركي المعروف أنّ الحزب الجمهوري يناصر الكيان الصهيوني دون تردد.

على الصعيد الاوروبي، لا تتحمّل دول الاتحاد الاوروبي ايضا الاعلان عن مثل هذا الاتفاق من غير تهيئة الرأي العام وتقديم التفسيرات والمبررات بان الاتفاق بحد ذاته يخدم المصالح الاوروبية.

ويبقى السؤال كيف ستتقبل دول الخليج العربي هذا الاتفاق؟

إنّ ما قاله الرئيس الأميركي باراك أوباما للأمير متعب بن عبدالله بن عبد العزيز عقب لقاء الاخير بالرئيس الأميركي بالبيت الابيض واعلان ما تم تداوله عبر وسائل الاعلام كان لافتًا ومهمًا لجهة إفهام من يعنيه الامر ان الولايات المتحدة والدول المعنية اتخذت قرارًا بالاتفاق مع ايران وعليكم الاخذ بعين الاعتبار المصالح الأميركية في المنطقة، وبناءً عليه يتوجب عليكم حل الخلافات مع طهران لان السياسة المتبعة من قبلكم تجاه ايران هي سياسة خاطئة.

تبقى مسألة حيوية وهي أنّ إسرائيل وبعض دول المنطقة لا تريد لهذا الاتفاق أن يُنجَز لتصبح ايران صاحبة السجادة النووية، وتصبح بمصاف الدول ذات النفوذ الاقوى على الصعيد الاقليمي، فهناك الكثير من الاساليب قد تلجأ اليها اسرائيل بهدف تعطيل او تاخير هذا الاتفاق و على رأس هذه الاساليب استعمال عصا الارهاب بمنطقتنا. ومن الان حتى حزيران 2015 تبقى كل الاحتمالات واردة لأنّ هناك متسعًا من الوقت ننتظر نتائج التغييرات التي حصلت ونترقب التغييرات القادمة.