ليس سراً أنّ ​اتفاق الطائف​ ورئيس تكّتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون كانا على مسارين متوازيين، ولم يتقبّل أيٌ منهما الآخر. وربما لهذا السبب، كان لا بدّ من بقاء أحدِهما في لبنان فقط، وكان الخيار الدولي والاقليمي وحتى المحلي في حينه، على اتفاق الطائف، فتمّ نفي العماد عون إلى الخارج.

ومنذ عودته إلى بيروت عام 2005 من المنفى بعد 15 عاماً، اضطر العماد عون إلى التعايش مع اتفاق الطائف دون أن يعني ذلك أنه من المتلهفين له، لكنّ الظروف حتّمت هذا الأمر.

ووفق الرسالة التي بعث بها رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" الى "ضامني اتفاق الطائف"(1)، عادت على الارجح شرارة المواجهة بينه وبين هذا الاتفاق الذي يجمع الأفرقاء على انه لم يطبّق بأكمله. ولم يكن خفياً ان مواقف العماد عون بدأت تهزّه، ولعل اقتراحه انتخاب الرئيس من الشعب كان الاحدث في هذا السياق.

وحين حاول زعيم "التيار الوطني الحر" "زكزكة" رئيس حزب "​القوات اللبنانية​" ​سمير جعجع​ باقتراحه حصول مواجهة بينهما فقط في مجلس النواب على الرئاسة اللبنانية، حصلت "الانتفاضة" المسيحية من قبل أكثر من طرف مسيحي. ولعلّ العماد عون رغب من خلال هذه المبادرة أن يقطع الطريق أمام جميع المرشحين الآخرين من زعماء سياسيين وحزبيين ونواب وحتى قائد الجيش العماد جان قهوجي وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، كما أمام أيّ تدخل من البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي والرئيس السابق ميشال سليمان، فغمز من قناتهم للقول أنّ المسألة محصورة فقط به وبسمير جعجع، وهو أمرٌ أحدث انقساماً لدى "القوات اللبنانية" التي سرّها كلام عون من جهة، وأحرجها أمام حلفائها من جهة ثانية، فالقيادة في معراب مقتنعة تماماً بهذه المعادلة لكنها لا تجاهر بها خوفاً من ردة فعل الحلفاء، فأتت ردود الفعل القواتية على طرفي نقيض.

من هنا، كانت "الانتفاضة" المسيحية على كلام العماد عون، وذهب البعض الى اعتبارها مناقضة لاتفاق الطائف والدستور، وهو أمرٌ صحيح وما يرغب به صاحب هذه المعادلة، أي التنبيه إلى أنّ اتفاق الطائف بات بحاجة الى "فاصلة" طال انتظارها.

لم يأخذ الحديث عن مؤتمر تأسيسي جديد حقه، لانه كان يتعرض لاطلاق النار الغزير كلما تم تداوله وفي اي مناسبة كانت. واذا ازعج الكلام عن مثل هذا المؤتمر البعض، فإن الحديث عن خطر يتهدد اتفاق الطائف يعتبر اكثر مرونة وقبولاً للنقاش، وهذا ما يحصل حالياً ولو أنّ نسبة استمراره في الحياة ضئيلة جداً وتكاد توازي نسبة رفض المجلس الدستوري قرار التمديد للمجلس النيابي.

اليوم، يقف العماد عون على مفترق طرق، فهو إذا لم ينجح في الوصول الى قصر بعبدا، لن يكتفي بأن يكون الناخب الملك، بل يرغب في أن "ينتقم" من اتفاق الطائف ويحقق ما عجز عنه طوال السنوات السابقة، لاقتناعه ربما بأن هذا الاتفاق لم يكن من الممكن تطبيقه وليس من حل سوى تعديله بما انه ليس من المستطاع ان يُنسف.

من هنا، قد يشكّل التوافق على تعديل الطائف باباً مهماً للخروج من عقدة الرئاسة الاولى، ومن عقد كثيرة اخرى، لكن الامور تبقى رهناً بمدى التجاوب الاقليمي والدولي مع هذا الطرح، واستعداد العالم للدخول في تفاصيل جديدة لن يكون من السهل تخطي تداعياتها في ظل المتغيّرات التي تشهدها المنطقة بأسرها.

"انتفاضة" مسيحية ضد العماد عون لن تؤثر على الصورة العامة للوضع اللبناني، واهتزاز مسمار الطائف قد لا يكون كافياً لتغييره، لكن المؤكد ان الساحة المسيحية في لبنان لن تبقى مياهها راكدة كما كانت عليه منذ سنوات طويلة.

(1)بتاريخ 25/11/2014، ذكرت وسائل الاعلام ان العماد ميشال عون ابلغ اعضاء "تكتل التغيير والإصلاح" في اجتماع استثنائي فحوى رسالة بعث بها في 10 تموز الفائت إلى الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز والملك المغربي محمد السادس والرئيس الجزائري عبد العزيز بو تفليقة، لكونهم "الضامنين لتنفيذ اتفاق الطائف".

وقال مطلعون على الرسالة أنها تضمّنت تحذيراً من "أن استمرار انتهاك اتفاق الطائف وسوء تطبيقه سيؤدي حتماً إلى سقوطه وإنهائه".