أثار نجاح "حزب الله "في التفاوض على اطلاق أسير لديه كان محتجزا كما قيل لدى "الجيش السوري الحر" رد فعل لدى مراقبين كثر مماثلا لرد الفعل الذي اثاره لدى أهل العسكريين المخطوفين. فعلى رغم ان استعادة اي أسير أو رهينة هو حق وواجب في ان واحد، الا ان هذا النجاح بدا استفزازيا من جوانب عدة قد يكون ابرزها ان الحزب الذي يشكل جوهر قوى 8 آذار قاد حملة في بداية خطف العسكريين ضد التفاوض مع من يطلق عليهم تسمية التكفيريين، وهي الصفة التي يدرج تحتها الحزب خصوم النظام السوري جميعا وليس التنظيمات التكفيرية وحدها. وهو الامر الذي ساهم في إضاعة وقت طويل في جدل سياسي وإعلامي عقيم حول امكان ان تفاوض الحكومة اللبنانية من اجل استرجاع العسكريين المخطوفين أو لا. ومع انه تم الرد ضمنا على هذا المنطق بان التفاوض الذي أجراه الحزب هو مع "الجيش السوري الحر" وليس مع "جبهة النصرة" أو تنظيم "داعش"، فإن الحزب ما كان ليمتنع عن التفاوض مع هذين التنظيمين من اجل استرجاع اي أسير للحزب، وهو الذي فاوض العدو الاسرائيلي من اجل استعادة أسرى أو محتجزين لدى اسرائيل، فضلا عن انه لم يسمع من الحزب تمييز بين معارضة معتدلة وتكفيريين في سوريا.

والمسألة استفزازية أو مزعجة اكثر من زاوية انه كان يمكن الحزب في ضوء امتلاكه أوراقا قوية من نوع احتجازه أسرى من الثوار السوريين ان يضع هذه الأوراق في يد الدولة أو التنسيق معها على الاقل بما يمكن ان يساعد ربما في تقوية أوراق التفاوض من اجل استعادة العسكريين المخطوفين خصوصا ان التفاوض الذي أجراه الحزب يختلف عن التفاوض سابقا مع اسرائيل من حيث ان وضع الحزب اختلف الى حد بعيد عن السابق حيث بات جزءا فاعلا ومؤثرا في القرار الحكومي وصياغته وبات يلعب دورا داخليا مختلفا ومؤثرا جداً. زد على ذلك ان الامر محرج ومربك للحكومة التي تتخبط في موضوع العسكريين المخطوفين بحيث يزيد موضوع نجاح "حزب الله" في تحرير أسيره من صورتها المهمشة في مقابل صورة الحزب الناجح على طول الخط خارج اطار الحكومة ولو انه يساهم في تكبيل حركتها بعدما بات الحزب اكبر وأقدر من الدولة اللبنانية وفق الصورة التي يمعن في ترسيخها على غالبية الصعد باعتبار انه يقوم بما يراه ضروريا للقيام به أكان ذلك في موقع صحيح ومناسب ام لا في حين ان الدولة وكبار مسؤوليها اخر من يعلم. وما يشار اليه ايضا في هذا السياق هو ان بعض القوى اثار نقطة في كون الحزب يعتبر مسؤولا الى حد كبير عن استدراج انعكاسات الحرب السورية من خلال دفع الثوار السوريين من سوريا الى لبنان. اضف الى ذلك ان موضوع استعادة أسير ليس بحجم قضايا اخرى اكثر خطورة وتأثيرا على مصير البلد على غرار ما شكله ويشكله تدخل الحزب في الحرب السورية، الا انه يزيد من تحجيم اهمية الدولة في ظل هامش حركة من خارج مؤسساتها. وليس خافيا ان الامر ازعج مسؤولين كثرا في الدولة ولو لم يدلوا بمواقف علنية على هذا الصعيد بناء على الاعتبارات المذكورة، الا ان الغالبية امتنعوا عن اثارة الموضوع خصوصا في ظل اعتبارات تدور حول تهدئة الوضع وتخفيف التشنجات والاحتقانات، لكن هذا التصرف من خارج الدولة مجددا شكل اكثر من احراج وإضعاف لها باعتبار انه ينتقص من فاعليتها ودورها ويزيدها تهميشا.

في المقابل ثمة من يرى ان الوضع مختلف بين التفاوض الذي أجراه الحزب وذلك الذي تجريه الدولة من حيث ان الحزب تنظيم عسكري وسياسي يملك هامش تحرك مختلفا عن ذلك الذي تتمتع به الدولة انطلاقا من ان تنظيما يفاوض تنظيما اخر وليس دولة في مقابل تنظيم أو تنظيمين. وكما ان الدولة تعجز عن التفاوض على نحو مباشر مع تنظيمات مماثلة للنصرة أو داعش، فإن ثمة من يرى انه من الخطأ الاعتقاد بوجوب ان تنسق الدولة مع الحزب على قاعدة أو معادلة تعزيز الأوراق انطلاقا من واقع مبدئي ورسمي هو ان الدولة اللبنانية لا تعترف بالدور الذي يقوم به الحزب في سوريا ومحاربته من اجل انقاذ النظام. اما في حال التنسيق المشترك بين الحكومة والحزب من خلال دمج ملف أسرى الحزب بملف العسكريين المخطوفين، فان الحكومة قد تكون اعترفت بذلك بدور الحزب في سوريا في الوقت الذي لا تفعل راهنا ولا ترغب في الاعتراف بذلك تبعا لتعدد الآراء واختلافها حول تدخل الحزب والدور الذي يقوم به هناك. وتبعا لذلك بدا واضحا ان هذا الجدل الذي اعتمل في الايام الاخيرة على صعد عدة في ظل ما اثاره من ردود فعل سلبية لدى اهالي العسكريين المخطوفين من جهة وبعض الاصداء السياسية السلبية ايضا من جهة اخرى جرى احتواؤه حكوميا الى حد بعيد ولكن من دون ان يعني ذلك ان تداعيات هذا التطور لن تترك آثارها على ملف العسكريين المخطوفين. ولعل اكثر ما يرجحه معنيون بهذا الملف ان يبرز وجه جديد في التعامل الرسمي الحكومي مع الوساطة القطرية الجارية لتحرير العسكريين ربما يتمثل في تخفيف القيود عن مبدأ المقايضة ووضع سقف جديد للتفاوض.