بغضّ النظر عن دَوافع وخلفيّات الأصوات المُرحّبة للحوار بين "حزب الله" و"تيّار المُستقبل"، وتلك المُعارضة له، يبقى السُؤال الأبرز والأهم مَحصوراً بالتالي: هل سيفضي هذا الحوار لأيّ نتيجة ملموسة؟

بداية، لا بدّ من الإشارة إلى أنّه وعلى الرغم من التحضيرات التمهيديّة الجِدّية لتأمين بداية إيجابيّة للحوار المُرتقب، فإنّ المواضيع الخلافيّة الأكثر أهمّية هي خارج نطاق البحث وتدخل في سياق "الممنوع"، أو مصيرها الفشل من جديد في أفضل الأحوال – إذا سلّمنا جدلاً أنّها ستُوضع على طاولة البحث.

فموضوع تسليم سلاح "حزب الله" إلى الجيش اللبناني والذي كان في السابق الشغل الشاغل لأغلبيّة خُصوم "حزب الله" على الساحة اللبنانيّة، تحوّل اليوم إلى ترتيب مُتأخّر، بعد تقدّم مسألة تدخّل "الحزب" عسكرياً في الصراع السوري، وتحوّلها إلى بند رئيس. وهذا الموضوع هو خط أحمر بالنسبة إلى "حزب الله" الذي يَعتبر أنّ الأسلوب الأفضل لمواجهة التهديدات والمخاطر المُتمثّلة بالتكفيريّين تتمثّل بقتالهم في سوريا حتى لا نُضطرّ إلى مواجهتهم في الداخل اللبناني. وبالتالي، لا فرصة لتحقيق أيّ تقدّم في هذين البَندين (السلاح والتدخّل في سوريا)، بغض النظر إذا كانت المسألة بيد قيادة "الحزب" أم طهران، مع التذكير أنّه سبق للأطراف السياسية كافة في لبنان أن وافقت على مسألة الحياد من دون أن يتمّ الإلتزام به عمليّاً.

وموضوع تسليم المُتهمين من "حزب الله" إلى ​المحكمة الدولية​ هو بدوره موضوع خلافي أساسي ممنوع البحث فيه أيضاً، كون "الحزب" يتصرّف وكأنّ المحكمة وكل إجراءاتها غير موجودة، ولا تعنيه بشيء. وبالتالي، لا مجال لإحراز أيّ خرق في هذا الملف أيضاً، طالما أنّ "الحزب" يعتبر المحكمة "إسرائيليّة" وقراراتها "مؤامرة" على لبنان.

وبالنسبة إلى موضوع الفشل في إنتخاب رئيس للجمهوريّة حتى اليوم، فهو يدخل في سياق "الممنوع" أيضاً، لأنّ الأطراف المسيحيّة، ومن مواقعها المُتناقضة والمُتضاربة، لن تقبل هذه المرّة بأن يحسم المُسلمون في لبنان، ومن يُمثّلون من أطراف إقليميّة مُؤثّرة، الملفّ الرئاسي بشكل يتجاوز دورهم ورأيهم. وأكثر ما يُمكن الوصول إليه في هذا الملف، يتمثّل في محاولة إقناع الطرف الآخر بالعمل على سحب كل من المُرشّحين المُعلنين، لفتح الطريق أمام إحتمال التسوية، بغض النظر إذا كانت الترشيحات المُعلنة هي جِدّية أو من باب المناورة والمساومة، علماً أنّ كلاً من "حزب الله" و"تيار المستقبل" لا يزال يُمسك بأوراقه في هذا الملفّ.

وفي ما خَصّ مَسألة التوصّل إلى قانون إنتخابي جديد، فالمسألة أبعد من لقاء بين مُمثّلين من "حزب الله" و"تيّار المُستقبل"، وهي تشمل أطرافاً أخرى عدّة مؤثّرة، إن داخليّة أو خارجية، والموضوع أصلاً مطروح حالياً في مجلس النوّاب عبر مُمثّلين عن مختلف الأطراف، ولو أنّ فرص التوصّل إلى خرق فيه شبه معدومة، كما دلّت نقاشات الأيام الماضية. ولو كان الواقع غير ذلك، لما جرى التمديد الثاني للمجلس لفترة سنتين وسبعة أشهر!

وبالنسبة إلى مسألة مُواجهة المَوجة الإرهابية التي تضرب المنطقة العربيّة، فهي مسألة مبتوتة ومحسومة سلفاً، وتشكيل الحكومة الحالية وتوزيع حقائبها تمّ إنطلاقاً من أسُس هذا التوافق غير المُعلن، وإقفال الكثير من الملفّات الأمنيّة التي كانت تُعكّر صفو الأمن في لبنان جرى من هذا المنطلق. وبالتالي هذا الأمر مفروغ منه، ولا حاجة لأيّ حوار لمواصلته، كون الخطر الأمني إنّ تسرّب إلى الداخل اللبناني سينعكس على الجميع من دون إستثناء، وقرار مُواجهته مَحسوم من قبل مُختلف الأطراف.

وفي ما خصّ مسألة الحفاظ على الإستقرار السياسي الداخلي، وتنظيم الخلافات بين القوى السياسيّة، فإنّها مسألة مبتوتة سلفاً أيضاً، ومسألة التمديد للمجلس النيابي، الذي ما كان ليمرّ لولا توافق "حزب الله"–"تيّار المُستقبل"، هو خير دليل على ذلك. والواضح أنّ كل الحركة السياسية الحاليّة تتمّ تحت سقف مُنخفض ومضبوط، على الرغم من كل التباين في الآراء، وعلى الرغم من إنطلاق مرحلة "الشهادات السياسيّة" الحسّاسة في المَحكمة الخاصة بلبنان في "لاهاي".

وفي الخلاصة، وبناء على ما تقدّم، وفي ظلّ عدم تغيّر مواقف "حزب الله" و"تيّار المستقبل" قيد أنملة، يُمكن القول إنّه من الناحية التُوبَويّة، الحوار يبقى مفيداً والخيار الأفضل حتى بين ألدّ الأعداء، فكيف بالحري بين جهتين سياسيّتين رئيسيّتين على الساحة اللبنانيّة، ومن شأنه طبعاً أن يُساهم في تبريد الأجواء الداخليّة، وإحتواء الإحتقان المذهبي – كما قال رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في مقابلته الأخيرة. لكن من الناحية العملانية، وبكل موضوعيّة، البحث بالمواضيع المُهمّة ممنوع والبحث بالمواضيع المسموحة مبتوت أصلاً، وبالتالي إنّ الحوار المُرتقب هو لزُوم ما لا يَلزم!