البلد يحتاج، في حدِّه الأدنى، إلى هدنة، وفي حدِّه الأقصى إلى إستقرار، والحدَّان يُحصِّنهما منطق الحوار ومسار الحوار وخارطة طريق الحوار.

هذا المسار سيكون من شأنه تسيير أمور الناس، مع دخولهم الأسبوع المقبل في شهر الأعياد، فالناس يريدون الحدَّ الأدنى الذي يُسهِّل لهم أمورهم للإعداد لهذا الشهر الذي ينتظرونه مرةً في السنة، وعليه وإنطلاقاً من هذا المنطق فإنَّ الحوار سيكون المعبر الإلزامي لكلِّ ما يمكن تحقيقه من إستحقاقات، سواء أكانت رئاسية أم نيابية أم أي شيء آخر.

إذاً الأولوية هي للحوار، والتمهيد له بدأ إعلامياً حيث أنَّ الأطراف المعنية بدأت تمارس هدنةً إعلامية سواء في تصاريحها وبياناتها أو في مؤتمراتها الصحافية، والسبب في ذلك يعود إلى أنَّها تريد بيئة حاضنة للحوار تَقيه من الأجواء المشحونة والعثرات والعراقيل وتوصلُه ربما إلى نتائج السقف العالي الذي يتمثَّل في إنتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية.

أكثر من ذلك، وفي سياق تحصين عملية الحوار، فإن كلَّ طرف يتولى عملية التحصين داخل فريقه. في هذا الإطار، فإنَّ الرئيس سعد الحريري أطلع كلَّ أركان قوى 14 آذار على مبادرة الحوار مع حزب الله، وكان تأكيد، وفق مصادر عليمة وموثوقة، أنَّ الأولوية هي لإنتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية. وهذه الأولوية هي البند الأول لهذا الحوار الذي بعد إنجازه تتوالى البنود الأخرى.

هدنة الحوار قد تتوسَّع فتشمل ما يمكن أن ينجم عن الحوار، وفي هذه الحال ليس بالضرورة أن يبقى ملفُّ إنتخابات الرئاسة منتظراً حتى معاودة المفاوضات الغربية مع إيران حول ملفّها النووي. بمعنى آخر يمكن القول إنَّ ملفَّ إنتخابات رئاسة الجمهورية وُضِع على نارٍ هادئة جداً، ولو لم تكن هناك إشارات دولية، معطوفة على إشارات عربية فاعلة، لَمَا كان هناك إقدامٌ على خطوة الحوار، وذلك للأسباب التالية:

وعندها أين يصبح مصير رئاسة الجمهورية ومصير الإنتخابات النيابية ومصير إعادة تكوين السلطة؟

بهذا المعنى، وتحاشياً لسقوط الحوار، فإنَّ الإعداد له يُفتَرض أن يكون جيِّداً ودقيقاً، وأكثر من ذلك فإنَّ المعلومات الموثوقة تتحدَّث عن أنَّه في حال نجاح المرحلة الأولى منه، فإنَّ المرحلة الثانية المباشرة ستكون الدخول في مرحلة جوجلة الأسماء، وعندها تبدأ المرحلة الحسَّاسة والدقيقة التي تعني الإقتراب من الوصول إلى الخواتيم السعيدة.

صحيح أنَّ الأمر ليس بسيطاً وبالتأكيد لن يكون نزهةً، لكنَّ المحاولة تستحقُّ أن تُعطى كلَّ الفرص لتنجح، خصوصاً أنَّ البديل، لا بل البدائل، لن تكون سوى المزيد من الإنهيارات على كلِّ المستويات.