ليست المرحلة مرحلة تقطيع وَقت، لأنّ الوقت الذي استُقطِع وأُهدِر في مناكفات ومشاحنات وسِجالات سياسيّة يكفي، وباتت البلاد تحتاج إلى إنقاذٍ قبلَ أن تنزلقَ كلّياً في اللهيب الذي يلفّ المنطقة.

يُشكّل الحوار المرتقب بين «حزب الله» و«المستقبل» خطوةً مهمّة في اتّجاه إنقاذ لبنان من براثن الفتنة وتمكينه من ملاقاة كلّ التطوّرات الإقليميّة الجارية واللاحقة، وهذا الحوار ليست مهمّته اختيار رئيس جمهوريّة جديد، وفقَ ما قال الرئيس سعد الحريري، وهو ليسَ كذلك في حسابات الحزب.

ولكن في اقتناع الجميع في فريقَي 8 و14 آذار أنّ مجرّد الحوار بين هذين الفريقين السياسيّين الكبيرَين والمنتميَين إلى مكوّنين أساسيّين في الكيان اللبناني، سيُساعد حتماً على خروج البلاد من الأزمة، أو على الأقلّ في تهدئة الساحة الداخليّة بانتظار نضوج ما يُطبَخ مِن حلول للأزمات الإقليميّة.

لكنّ بعض السياسيين يَميل إلى إدراج هذا الحوار في سياق مناخ بدأ يسود في المنطقة، أو سيسودها عَمَليّاً في وَقت ليس ببعيد، على رغم محاولة البعض رَسمَ مشهد سوداويّ للنتائج التي أسفرَت عنها محادثات فيينا الأخيرة بين الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة ومجموعة الـ5+1 في شأن الملفّ النووي الإيراني، وذهبَ في اتّجاه الحديث عن سيناريوهات لأحداث ربّما ستشهدها المنطقة في خلال مهلة الأشهر السبعة التي حُدّدت توصُّلاً إلى الاتّفاق النهائي بين إيران والدول الغربيّة.

لكنّ ما يظهر في الأفق يُعاكِس كلّ هذه السيناريوهات، ولو كان الأمر كذلك، لما أفرِجَ عن الأموال الإيرانيّة البالغة خمسة مليارات دولار في ذمّة الولايات المتّحدة الأميركيّة، ولو مقسّطةً على سبعِ دفعات في سبعةِ أشهر، ولمَا كان اتُّفِقَ على جولات تفاوضٍ لاحقة تقنيّة وغير تقنيّة وصولاً إلى نهاية حزيران 2015 موعد إبرام الاتّفاق النهائي.

قد تشهد الأشهر السبعة المقبلة أحداثاً وتطوّرات، لكنّها في رأي بعض السياسيّين المتابعين، لن تُغيِّر من قواعد التفاوض أو تلغيه، فالرغبة في التوصّل إلى اتّفاق موجودة لدى الجميع. فالإيرانيون يعلنون أنّهم دخلوا التفاوض راغبين جدّياً في التوصّل إلى اتّفاق، والولايات المتّحدة الأميركيّة وحلفاؤها في المقابل لديهم الرغبة إيّاها، وإنْ كانَ هناك مَن يعترض، ليسَ لرغبةٍ بعدم حصول الاتّفاق، وإنّما لرغبة في استئخاره إلى حين معالجة ملفّات إقليميّة يظنّون أنّها قد تتأخّر في حال حصولِ هذا الاتّفاق الموعود قبلها.

وفي هذا السياق، وعلى رغم كلّ ما يَظهر من خلافات بين الولايات المتّحدة وحلفائها من جهة، وروسيا وحلفائها من جهة ثانية، في شأن قضايا إقليميّة ودوليّة عدّة، فإنّ الحراكَين الروسي والأميركي يبدوان كأنّهما منَسَّقَين وليسا متعارِضَين، فموسكو تعمل على ترتيب حوار بين النظام والمعارضة السوريّين توصّلاً إلى حَلّ سياسيّ متوازن للأزمة السورية، وقد وَسّعت مروحةَ تحرّكها لتشملَ تركيا التي سيزورها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد غد الإثنين، فيما التنسيقُ دائمٌ بينها وبين إيران، إضافةً إلى اتّصالاتها غير المنقطعة مع دوَل مجلس التعاون الخليجي، بدليل استقبالها وزيرَ الخارجيّة السعودي الأمير سعود الفيصل تزامُناً مع مفاوضات فيينّا الأخيرة.

أمّا واشنطن، والتي بدا كأنّها على خلاف مع تركيا، فتعمل على تسويق الاتّفاق المنتظَر مع إيران تدريجاً لدى حلفائها الإقليميّين والدوليّين، وقد فسَّر البعض الهجومَ الذي شَنّه الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان على السياسة الأميركيّة في المنطقة والتي وَصَفها بأنّها «وَقِحة»، غداة زيارة نائب الرئيس الأميركي جون بايدن لأنقرة، بأنّه ردُّ فعلٍ على ضغوط تمارسها واشنطن على تركيا التي لم تلتحِق عمليّاً بعدُ برَكبِ التحالف الدولي الذي تَشَكَّل في اجتماع جدّة الأخير ضدّ «داعش» وأخواتها في العراق وسوريا، فيما واشنطن تريد من أنقرة التخلّي عَن دعم «داعش» والانخراط مع التحالف في الحرب عليها.

بل إنّ هؤلاء السياسيّين يعتقدون أنّ الضغط الأميركي على أنقرة يتناغم والمسعى الروسي لحَلّ الأزمة السوريّة سياسيّاً، خصوصاً أنّ الموقف التركي كان ولا يزال يُنادي بإطاحة نظام الرئيس بشّار الأسد شرطاً من شروطه للانخراط في الحرب على «داعش» وأخواتها، في وقتٍ استعادَ مجلس التعاون الخليجيّ قطر الداعمة لـ«جبهة النُصرة» شقيقة «داعش» إلى «البيت الخليجي»، ما يوحي بأنّ أحدَ وسائل القضاء على «داعش» و«النُصرة» هو عزلُهما عن داعمَيهما التركي والقطري تمهيداً للإجهاز عليهما، ليس في سوريا والعراق فقط، وإنّما أينما كان في المنطقة، خصوصاً أنّهما أطلقتا في الآونة الأخيرة تهديدات ضدّ بعض الدول الخليجيّة، وكذلك تهديدات لعدد من الدول الغربيّة عبّرَت المستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل عَن جانب منها، بقولها إنّ «داعش» تُجنّد الألوف في الدوَل العظمى، فيما يُتوَقّع أن يبحث وزراء خارجيّة «التحالف الدولي» ضدّ «داعش» في اجتماعهم المقرّر الشهر المقبل في بروكسيل ما يُشبه خطّة لمواجهة تهديدات «داعش» للدوَل الغربيّة.

وثمّة مَن يعتقد أنّ تأخير الاتّفاق على الملف النووي الإيراني سبعة أشهر حتّى نهاية حزيران المقبل، مرَدُّه إرادة أميركيّة - دوليّة بأن يأتي هذا الاتّفاق تتويجاً لمجموعة اتّفاقات على معالجة الأزمات الإقليميّة، وهي اتّفاقات يَستعجلها بعض دوَل الخليج.

ويبدو أنّ واشنطن اختارت الحَلّ الوَسَط بأن يحصلَ تزامُنٌ بين الاتّفاق النوويّ وبقيّة الاتّفاقات، ما يعني أنّ موسكو تعمل لحَلّ الأزمة السوريّة بالتناغُم مع واشنطن التي تتولّى مع حلفائها أمرَ القضاء على «داعش» وأخواتها، فضلاً عَن ترسيخ الحَلّ العراقي الذي بدأ بتوَلّي حيدر العبادي حكومة الوحدة الوطنيّة، على أن تُعالج أزمتا اليمن والبحرين بالروحيّة نفسها.

وتأسيساً على كلّ ذلك، يمكن توَقّع أن يؤدّي الحوار المرتقَب حصوله بين «حزب الله» و»المستقبل» قبلَ نهاية السنة، إلى حصول انفراجٍ في الأزمة اللبنانيّة يبدأ بإيجاد مناخات لاتّفاق على انتخاب رئيس توافقيّ في وقتٍ ليسَ ببعيد.