لا تستغرب اوساط الرابية الاشارات السلبية التي حفلت بها إطلالة الرئيس سعد الحريري المتلفزة امس الاول تجاه العماد ميشال عون. وخصوصاً ان العماد عون كان قد وضع النقاط على الحروف في مقابلتين صحافية وتلفزيونية خلال اسبوعين، وخلالهما نعى عون الحوار الرئاسي مع الحريري وغاص في بعض تفاصيل لقائهما "الباريسي الشهير" وأن الحريري اتى لمحاورة عون من دون غطاء سعودي او مباركة فعلية للوصول الى نتائج. وعليه كان الحوار بين الحريري وعون غامضاً رئاسياً، منتجاً حكومياً ومجلسياً. ولم تخرج بعد تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام وإجراء بعض التعيينات الملحة وإقرار بعض المشاريع القانونية والخدماتية، اية ايجابيات يعول عليها بين الوزير جبران باسيل ومستشار الحريري نادر الحريري الى ان توقفت اللقاءات بينهما في الاسابيع الماضية.

وعن استبعاد الرئيس الحريري في إطلالته امس الاول العماد عون من السباق الرئاسي نهائياً والتمسك بترشيح الدكتور سمير جعجع ريثما يتم التوافق على مرشح تسوية تتفق عليه الكتل السياسية كافة، تؤكد مصادر قيادية بارزة في "التيار الوطني الحر" ان المعادلة هي التالية: عون ليس مقابل جعجع، بل عون رئيساً للجمهورية مقابل الحريري رئيساً للحكومة فإذا استبعد عون عن الرئاسة الاولى لا مكان للحريري في رئاسة الحكومة. وتشدد على ان هذه المعادلة هي ورقة في يد فريقنا السياسي وأن حلفاءنا لن يفاوضوا دون هذا السقف وانتهى وقت المزاح والمماطلة وتقطيع الوقت.

وتشير المصادر الى ان الالتفاف الواضح على العماد عون وتياره السياسي ليس جديداً، فأمس شهدنا السقوط المدوي للمجلس الدستوري الذي اعلن وفاته وانهياره رسمياً بعدما اعطي فرصة اولى في التمديد الاول لمجلس النواب والثانية بالامس، لكنه اثبت انه اداة طيعة بيد السياسيين ولا يملك الاستقلالية ولا الارادة الذاتية. وتؤكد ايضاً ان الالتفاف والتحايل على مصداقية العماد عون ليسا فقط بالتمديد ورفض الانتخابات حتى بالقانون الذي فصّل على قياس الحريري وفريق 14 آذار وعمد الاخير الى شراء الذمم ودفع المال لاقصاء التيار الوطني الحر. ولم يكتف الحريري فقط بتعطيل الانتخابات النيابية بل بتعطيل الاحتكام للناس في انتخابات الرئيس عبر اعطاء الحق للناخب ان يختار رئيس جمهوريته وليس ان يعلب ويفرض عليه في الخارج. واخيراً تلفت المصادر الى ان طرح العماد عون الاخير بحصر التنافس الرئاسي بينه وبين جعجع اتى في إطار التحدي والجرأة لكشف هوية المعرقلين الحقيقيين للرئاسة وليس كيل اتهامات باطلة ومزيفة.

واذا كانت فلسفة الحوار هي ميزة رجال الدولة والزعماء وأول عرابيها منذ الطائف حتى اليوم رئيس المجلس نبيه بري وفريقه، فإن حلفاء العماد عون قرؤوا في خطاب الرئيس الحريري إيجابية التمسك بالحوار وبأهمية الحفاظ على الاستقرار الداخلي وتنفيس الاحتقان السني- الشيعي وعزل تطورات الساحة السورية والملفات الخلافية عن اي حوار مفترض ان يجري بين "تيار المستقبل" و"حزب الله".

وفي حين جرت العادة ان يتريث "حزب الله" في التعليق على ما يعتبره "رأياً سياسياً" استفاض فيه الحريري واسهب، لن يتوانى عن الحضور الى اي لقاء او حوار فيه مصلحة للبلد وللطرفين معاً، فلا بديل عن الحوار ولا يمكن لاحد ان يلغي احدا او يتجاوزه فالشراكة بين الطرفين اثبتت نجاحها مع الرئيس رفيق الحريري ومع الابن وتياره في الحكومة الحالية.

وتحتوي القراءة الاولية لمواقف الحريري في إطلالته امس الاول على كثير من التحفظات ونقاط الاستفهام. ولعل اولها في شكل الحوار وجدول اعماله، فمن يريد الذهاب الى حوار فاعل وبناء لا يتوجب عليه الدخول في التفاصيل إعلامياً او التحدث عن جدول اعمال محدد فوق الطاولة بل بعيداً من الاضواء. وتستند القراءة الى المثل القروي القائل "ضربة على الحافر وضربة على المسمار" فمن جهة يرحب بالحوار مع "حزب الله" الشريك الاساسي في الوطن وله حضوره وفعاليته ومن جهة ثانية يصفه بأنه أداة ايران في سورية لا يملك قراراً ويضع تدخله في سورية في مواجهة الشعب السوري وفي خانة نظام يقتل شعبه. بينما تدافع الدولة السورية عن مواطنيها في وجه الارهاب وآلة التكفير والهمجية في حين يحمي "حزب الله" لبنان وحدوده من جنوبه الى شماله وبقاعه من الصهاينة والتكفيريين. فمن يريد التحاور مع احدهم لا يمكنه شيطنته بعد الترحيب به استرضاء لشد العصب وتعويض الخسائر اليومية في السياسة والميدان.

في الملف الرئاسي بدا واضحاً ايضاً ان الحريري يشتري الوقت، فاستبعاد عون والتمسك بترشيح جعجع يعنيان ان الحوار حول اسم المرشح الرئاسي بين "المستقبل" و"حزب الله" من غير جدوى بغياب عون لانه مرشح حزب الله و8 آذار.

المعطيات الآتية من العاصمة الايرانية طهران تفيد بأن الاتفاق النووي منجز ومؤجل حتى تموز برغبة اميركية لاسترضاء السعودية للتعويض في مكان ما من اليمن الى العراق وسورية وهو امر لم تتمكن من تحقيقه خلال الاعوام الخمسة الماضية.

في رغبته بالتحاور مع "حزب الله" يكسب الحريري ضمان استمرارية حكومة له حصته الوازنة فيها من دون تعريضها لاية انتكاسة او اهتزاز وتكتمل ولاية المجلس الممددة ويهدّئ الخواطر الداخلية بحوار اشبه الى ربط نزاع منه الى حوار لن يخرج بنتائج عملية وكبيرة اقله حتى تموز المقبل ومن يعش يرَ!