في قرارة نفسه، كان التيار الوطني الحرّ يعرف خير معرفة أن طعنَه في التمديد لدى المجلس الدستوري، ورغم مسرحية توفير النصاب، ما هو إلا “شرف محاولة” كما وصفه أمين سرّ تكتل التغيير والإصلاح ابراهيم كنعان أمس. في قرارة نفسه، كان التيار الوطني الحرّ يعرف خير معرفة أن مثل هذه الخطوة لا يمكن أن تنفعه إلا لدى قاعدته المسيحية وأن تحفظ ماء وجهه أمام بعض أبناء المجتمع المدني ممن لم يملّوا الصُراخ في وجه التمديد رغم أنه غدا واقعًا.

لم يكن صعبًا على مواكبي مسار الطعن ومضمون التقرير الذي قدّمته الرابية أن يفهم موجبات رفض المجلس الإجماعية المُحدّدة سلفًا. فتقرير النائب نقولا فتّوش كان مستندًا أساسيًا بين أيدي الأعضاء العشرة. صدق القاضي عصام سليمان لجهة توفير النصاب والالتزام بتعهّد العام الفائت بعدم تكرار سيناريو التعطيل مجددًا، إلا أن ما لم يكن متوقّعًا أن يكون قرار رفض الطعن بالإجماع أقله في كواليس الرابية على ما علمت “​صدى البلد​” والتي كانت تنتظر امتناع أو اعتراض عددٍ محدود من الأعضاء من دون أن يكون ذلك كافيًا لإبطال قانون التمديد.

... والمعايير؟

“الحيلولة دون التمادي في حدوث الفراغ”... بهذه التسويغة خرج المجلس الدستوري رادًا الطعن الى بيت أبيه. تسويغة ركنت في الأساس الى الظروف الأمنيّة التي تعيشها البلاد والتي كانت هي نفسها بطلة ذرائع التمديد بحجّة عدم القدرة على إجراء انتخاباتٍ في ظروفٍ مماثلة. إلا أن “الدستوري” الذي وُضِع في “بيت اليكّ” والذي أحرِج خير إحراج من عارفي قراره سلفًا ورماتِه بتهمة الخضوع للضغوط السياسيّة، قرّر أن يحفظ ماء وجهه برفض ربط الاستحقاق النيابي بإيجاد قانون جديد وبالتشديد على ضرورة أن تقتصر “التدابير الاستثنائيّة” أي التمديد على الظروف الاستثنائيّة. حتمًا لم تقتنع الرابية بمثل هذا الجواب ولو أنها كانت في جوّه على ما تسرّب لها قبل ساعاتٍ وفق معلوماتٍ لـ “البلد”، إلا أن مصادرها تؤكد أن ما فات “الدستوري” أو ما فوّته عمدًا في نظر الرابية هو بيت القصيد: فما معايير تلك الظروف الاستثنائيّة؟ وما هي تلك الظروف أصلاً خصوصًا أن البلد يعيش حالةً مماثلة منذ ما بعد العام 2005 لا بل يمكن القول إننا في ظروفٍ أفضل من تلك التي شهدتها سنوات ما بعد اغتيال الحريري والتي ترافقت مع موجة تفجيراتٍ لم تعد إلا في العامين الفائتين بحجّة انغماس حزب الله في الحرب السورية؟”.

خسارة الإنصاف

ليس لدى المقربين من الرابية الكثير ليقولوه بعدما كفّى “الجنرال” ووفى معتبرًا أن “حجّة فراغ المؤسسات غير مبرّرة”، ومع ذلك تشير مصادر التيار الى أن “النتيجة كانت متوقعة لكن ليس بهذه الهشاشة التبريريّة”، معتبرةً أن “لبنان عمومًا والمسيحيين خصوصًا خسروا بردّ الطعن فرصة انتخاب مجلس منصفٍ، لا سيّما أن ما ورد في متن قرار الردّ على مستوى إنهاء التمديد فور انتهاء الظروف الاستثنائيّة لن يُطبَّق والجميع يعلم ذلك ووضع نفسه في أجواء إكمال ولاية ثانية حتى دقيقتها الأخيرة”.

الجوهر في المتنيّات

في المقلب الدستوري، يؤكد الخبير الدستوري والقانوني بول مرقص لـ “صدى البلد” في معرض قراءته لمتنيات قرار المجلس الدستوري أن “الأهم من الفقرة الحُكمية للقرار التي آلت الى ردّ الطعن هو متنيّاته وحيثياته والتعليل الذي جاء عليه إذ فيه إدانة واضحة للتمديد وصولاً الى اعتباره بمثابة تمديد غير دستوري، ولكن المجلس لم يذهب الى حدّ إبطال القانون خشية إفساح المجال أمام التمادي في الشغور. فالمجلس في مكان معيّن أدان الشغور في رئاسة الجمهورية على السواء. وإزاء الواقعة الدستورية وإزاء هاجس الشغور المتمادي لم يُرد المجلس أن يأخذ في يده كرة النار التي قذفها عليه السياسيون ولم يحتمل أعضاؤه أن تُلقى عليهم مسؤولية الفراغ، إلا أنهم دعوا بوضوح الى إجراء الانتخابات فور انتهاء الظروف الاستثنائيّة التي لا يمكن أن تكون سنتين و7 أشهر على اعتبار أن التنبّؤ في ذلك غير جائز”.

إلزامات بلا تأخير

ولكن المشكلة في تحديد طبيعة الظروف الاستثنائيّة المقصودة خصوصًا أنها يمكن أن تبقى ذريعة حيّة ومتطابقة لسنواتٍ طويلة كما كانت تليق بالسنوات الفائتة؟ يتلقف مرقص: “المجلس استند الى تصاريح متكررة لوزير الداخلية يقول فيها إنه غير قادر على إجراء الانتخابات ويحتاج الى 33 ألف عسكري غير متوفرين. المجلس الدستوري لا يحلّ محل السلطات بل يراقب مدى تحقّق الظروف الاستثنائيّة وقد ركن فيها الى تصريح الوزير الأمني”. ويردف: “ليس دفاعاً عن المجلس إنما لتأكيد ضرورة خضوع السلطة لمضمون القرار وعدم التغني بفقراته الحُكميّة فحسب إذ إن في متنه إلزاماتٍ أولها إجراء الانتخابات دونما تأخير غير مبرّر”.

نصابٌ غير مخيف

إذاً ما كان متوقعًا على جبهتي طبيعة القرار والذرائع حصل بلا مفاجأة تُذكر. قانون التمديد سيبقى ساريًا الى ما شاء الله... أو بالأحرى الى ما شاء نوّاب الأمّة الذين بدؤوا يحتفلون بـ31 شهراً إضافياً حتى قبل صدور قرار «الدستوري» المحسوم سلفًا من دون أن يخيفهم اكتمال نصابه هذه المرة.