في 13 الشهر الجاري، زار وفد من حزب الله ضم المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل العماد ميشال عون. تناقلت وكالات الأنباء والمواقع الالكترونية الخبر في «عواجلها»، بما يوحي وكأن أمراً مهماً على وشك الحدوث. لم تكن تلك الزيارة الأولى من نوعها لوفد من الحزب الى الرابية. ولكن عندما يكون الخليل في عداد الوفد فهذا يوحي بأن في الأمر موقفاً أقرب ما يكون الى التعبير عن الأمين العام السيد حسن نصرالله نفسه. لم يخيّب «الحاج حسين» الظنون. بعد كلام عون، قبل أيام من ذلك، عن «الوجود التكاملي» بين التيار الوطني الحر وحزب الله، خرج من الرابية ليردّ على تحية الجنرال بمثلها: «نحن والتيار جسد واحد» وعون «يكاد يكون الزعيم الاوحد للمسيحيين في لبنان والشرق الاوسط».

أن تكون «معاوناً» للأمين العام، فهذا يوحي بأنك «الأقرب» الى تفكيره والأكثر تعبيراً عنه، وأنك تقيم الى جانبه على مدار الساعة. علماً أن العارفين بشؤون الحزب يؤكّدون أن لكل ملف «معاوناً» خاصاً، وأن «الأمين العام على القرب نفسه من الجميع». رغم ذلك، فإن للخليل «سطوة» اعلامية ناجمة أساساً عن منصبه، وهو المعروف بعدم حبّه للظهور الاعلامي: لا خطابات على المنابر في الاحتفالات التأبينية، وإطلالات تلفزيونية يكاد عددها لا يتعدى عدد أصابع اليد الواحدة، ومؤتمر صحافي يتيم في كانون الأول 2006 شهر فيه وثيقة تثبت طلب رئيس تيار المستقبل سعد الحريري من المقاومة، إبّان عدوان تموز، التزاماً بتسليم سلاحها، وإلا فإن الحرب ستستمر.

المسؤول التنظيمي السابق في حركة أمل قبل عام 1982، من رعيل المؤسسين الأوائل لـ «أمّة حزب الله». وهو، منذ عام 1995، عضو في مجلس شورى القيادة المكوّن من سبعة أعضاء. والمجلس هذا، في حزب الله، هو مطبخ القرار الذي يعبّر عنه الأمين العام للحزب. ما يعني أن الخليل أحد الشركاء في إقرار التوجّه السياسي، ويتمتّع بهامش للاجتهاد واستنباط «فتاوى» الحلول، طالما أنها لا تتعارض مع «النصّ». يوصف بأنه «مستودع من الأسرار». هادئ، عملي، وكتوم. ثابت في التفاوض مع الخصوم، وخبير في تدوير الزوايا لدى نشوب الخلافات ــ وما أكثرها ــ بين الحلفاء. يقول عارفوه إنه يملك ذاكرة «تسجيلية» يصعب أن تهمل أي تفصيل من تفاصيل اللقاءات التي يحضرها.

عمل «الحاج حسين» منسّقاً للعلاقة بين حزب الله ودمشق في عهد الرئيسين الراحل حافظ الأسد والحالي بشّار الأسد، ما مكّنه من نسج علاقات وثيقة مع الظهير الاستراتيجي للمقاومة، وعلى مختلف مستويات القرار السوري. لعب دوراً بارزاً في التوصل الى اتفاق دمشق الذي أنهى الاقتتال بين حزب الله وحركة أمل نهاية الثمانينيات. ومنذ عام 2005 بات مع «المعاون السياسي» للرئيس برّي، الوزير علي حسن خليل، ضابطَي الارتباط في العلاقة بين طرفي الثنائية الشيعية، وبينها وبين بقية المكوّنات. كما شكّل «الخليلان» مع «المعاون السياسي» للعماد عون، الوزير جبران باسيل، ثلاثي أضواء مسرح 8 آذار في المنعطفات التي يكون فيها أطراف هذا الفريق على «قلب واحد». وهي مهمة تقتضي من «حليف الحليفين» أن يحمل في جيبه دائماً ميزان جوهرجي في غياب الكيمياء بين حليفَيه.

يندر أن تنشر صورة للسيد نصرالله مع الجنرال عون أو الرئيس بري، أو مع غيرهما من الأقطاب السياسيين، من دون الخليل... مبتسماً على الدوام. تسلّمه ملف التفاوض مع القوى السياسية أكسبه خبرة في دهاليز اللعبة السياسية اللبنانية. وهو منذ عام 1990، ممثل نصرالله في العلاقة مع كل من تعاقب على منصب رئاسة الحكومة: يخوض مفاوضات تشكيل الحكومات والاتفاق على مضمون البيانات الوزارية وتوزيع الحقائب. وفي مكتبه، طُبخ «التحالف الرباعي» الذي أعطى 14 آذار الأكثرية في انتخابات العام 2005.

قد لا تجد من يفهم «العقل الحريري» في حزب الله أكثر من الخليل. خبر إبن بلدة البراجنة مسالك قصر قريطم جيداً في زمن الحريري الأب. وهو، الى جانب الصحافي مصطفى ناصر، حافظ أسرار 25 جلسة حوار عقدها السيد نصرالله قبل عام 2005 مع الرئيس الراحل رفيق الحريري. ولو بقيت العلاقة مع الحريري الابن على سويتها، فالأغلب أنه كان سيخبر مسالك «قصر الوسط» أيضاً.

وعندما يُقال «العقل الحريري»، فهذا يعني، ضمناً، «العقل السنيوري» أيضاً. ولـ «الحاج حسين»، مع هذا العقل تحديداً، ذكريات مريرة. أثناء عدوان تموز 2006، كانت الطائرات الاسرائيلية تذرع الأجواء اللبنانية، وكان الخليل «ينغل» بين الضاحية وعين التينة، بأعصاب باردة، ويخوض مفاوضات صعبة، بواسطة برّي، مع رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة. مفاوضات تخللها الكثير من الألغام «السنيورية» كورقة النقاط السبع التي حاولت إرغام المقاومة، تحت وطأة الحرب، على إعطاء ما لم تعطه في السلم.

يرتّب «الحاج حسين» ملفاته استعداداً للحوار المرتقب مع تيار المستقبل. حوار سيكون طرفه الآخر نادر الحريري. بين «معاون الحريري» و«معاون نصرالله» خصال مشتركة، أهمها الصمت والابتعاد عن الأضواء. خصال قد تساعد على انجاح حوار يُعوَّل عليه كثيراً في بلد يعشق سياسيوه الثرثرة.