أياً سألت عن نادر الحريري، مدير مكتب الرئيس سعد الحريري، تسمع الغزل الحارّ نفسه: هو ألطف ممن هم في موقعه عادة، وأكثر انفتاحاً من غيره على خصوم فريقه السياسي. أما صيداوياً، فترسم الانطباعات المتطابقة صورة واضحة لشاب يدير ماكينة والدته الانتخابية بعيداً عن الأنظار.

يبدو نادر «غريباً» مقارنة بأبناء «كاره»: يكفي أن يحضر مستشار لأحد الوزراء اجتماعاً تقنياً ليلهج أياماً بوصف عظمته شخصياً وأهمية الاجتماع. أما رجل الظل الحريري فيخرج من اجتماع ليدخل آخر، من دون أن يصدر عنه أي تعليق أو يتغيّر شيء في أسلوب حياته. يقول أحد المقربين منه إن السياسة بالنسبة إليه مجرد وظيفة: يعمل مستشاراً سياسياً بدل أن يدير إحدى الشركات. يفضل أن يرمّم منزلاً قديماً لبيعه مجدداً بضعف سعره السابق ليشعر بنفسه أنه يحقق ذاته. وخلافاً لغالبية وزراء تيار المستقبل ونوّابه ومسؤوليه، يكاد يكون مستحيلاً إجراء مقابلة معه. لن تجد تصريحاً له على محركات البحث الإلكتروني؛ لا لأنه بدر ونوس آخر، ولكن لعدم حاجة «وظيفته» إلى تصريحات . ليست مهمته مخاطبة الرأي العام. لعل مساعد الأمين العام لحزب الله حسين الخليل يشبهه في ما سبق قليلاً، أما في التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والكتائب وحركة أمل والحزب التقدمي وغيرها من القوى فلا يوجد بورتريه مماثل.

عمر علاقة نجل النائبة بهية الحريري بابن خاله سعد الحريري من عمر ذهابهما طفلين إلى المدرسة نفسها، قبل أن يغادر النائب المهاجر منزل عمّته في صيدا، عندما كان في الثانية عشرة، إلى المملكة التي ولد فيها هرباً من الاجتياح الإسرائيلي. لاحقاً، لم تكن غرفة سعد في بيروت خلال مراهقته إلا غرفة نادر. وهما حافظا على صداقتهما حتى اغتيال الرئيس رفيق الحريري. أيّدت النائبة الحريري، بقوة، اختيار سعد لإكمال مسيرة والده السياسية، لثقتها المطلقة بأن ابنيها سيكونان ساعديه الفعليين بحكم علاقتهما القديمة به. وجد الحريري يومها نفسه محاطاً بكمّ هائل من متخرجي المدارس اليسارية واليمينية والتقدمية والعروبية السياسية. كان نادر الوحيد تقريباً الذي يتحدث بلغة الحريري الأميركية، المتحررة من الأيديولوجيات والارتباطات الفكرية المختلفة. «فهم أحدهما على الآخر منذ البداية»، يقول أحد المطلعين. لعب نادر دور أمين سر سعد بداية. كان حاضراً بصمت في كل الاجتماعات تقريباً، حتى تلك المصنفة ثنائية، سواء المحلية أو السعودية والأميركية والفرنسية. يحضر نادر اجتماع الحريري مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند. لا يقول شيئاً خلال الاجتماعات، يكشف من التقاه مراراً، ويتابع: «يبتسم كلما رمقته بنظرة، موحياً أنه يسجل بحياد ملاحظاته. وبعد قليل سيكون في وسعه إعلام الحريري بنقاط ضعفه وقوته ككل مراقب عن بعيد لإحدى المناظرات». عام 2009، عيّن رسمياً مديراً لمكتب غير موجود، فانتقل من الدور المتقدم غير المعلن إلى لعب الدور نفسه، معلناً هذه المرة.

فعلياً لم يتغير شيء. لديه صلاحيات مطلقة للحل والربط، يقول أحد وزراء المستقبل، لكنه لا يحل أو يربط من دون العودة إلى الحريري. لا يمكن ذكر قرار واحد أعلنه نادر مباشرة؛ وحتى حين يتخذ قراراً نهائياً يعلم سعد قبل الآخرين به، ليبدو صادراً عنه. ويزداد حذره حين يتعلق الأمر بالرئيس فؤاد السنيورة. لا يكتفي بإعلام الأخير بكل مواعيده تقريباً، وإنما يحرص على عدم تجاوزه حين يتعلق الأمر بالملفات التشريعية والحكومية وعلاقات النواب داخل كتلة المستقبل. ورغم موقعه المتقدم اليوم، يقول أحد نواب المستقبل إنه يتجنب تحويل مكتبه إلى ديوانية لنواب التيار. يستدعي من لديه كلام معه ليبلغه بقضايا محددة ويودّعه. شخصيته تحول دون التطرق معه إلى أي أمور شخصية أو جانبية. من بين كل نواب المستقبل، اختار مصادقة الوزير نهاد المشنوق والنائب روبير فاضل. تعجبه نظرة وزير الداخلية للأمور، وغالباً ما يتبنى «زبدة» المشنوق من دون كل التنظير. أما فاضل، غير المتطلب، فتحوّل إلى صديق شخصي. «وهذا طبيعي» بحسب مصدر مستقبلي: إذ لن يجد نفسه مع خالد ضاهر طبعاً ولا مع نقيضه خالد زهرمان؛ هو ليس النائب السابق سليم دياب ولا اللواء وسام الحسن، لا يتقن التواصل مع الجميع وبرمجة مشاعره وتوجيهاته بحسب حماستهم. كما أنه ليس مثل السنيورة في سعيه للحلول محل الرئيس رفيق الحريري أو خلفه في رئاسة الحكومة، ولا هو مثل شقيقه منسق عام تيار المستقبل أحمد الحريري في سعيه للعب دور تنظيمي قيادي في التيار ودور نيابي مستقبلاً. شقيقه شعبوي، أما هو فعلى العكس تماماً كما يقول أحد عارفيه. السنيورة كان غير شعبوي هو الآخر، إلا أن السلطة استهوته. نادر غير شعبوي، ولا يوحي أبداً – حتى الآن – بأن السلطة تعنيه من قريب أو بعيد.

لا علاقة وثيقة تجمع مدير مكتب الحريري بأي من نواب أو مسؤولي حزبي الكتائب والقوات. في المقابل، علاقته وثيقة جداً بالوزير وائل أبوفاعور، وهي تطورت بشكل كبير مع الوزير علي حسن خليل في الأشهر الماضية. أما علاقته مع العونيين التي بدأت مع النائب آلان عون فتطورت مع الوزير جبران باسيل.

يبقى السؤال عن طموحات نادر الحريري المستقبلية من دون جواب. لا يبدو أحد في المستقبل واثقاً بأن الحريريّ الذكيّ سيبقى حيث هو في الظل دائماً. لكن حين يضع هؤلاء أنفسهم مكانه يتفهمون موقفه: ما من مكانة يسعى للانتقال إليها.